لعل المتابع، المدقق لجل الكتابات في المشهد الثقافي السعودي، سواء عبر المقالات اليومية السيارة، أو بعض الإصدارات، يستوقفه أمر جد مهم وخطير – في تصوري- ذلكم هو «الاستغراق في الإنشاء والانصراف عن المعلومة». خالد أحمد اليوسف، بقي بعيدا عن هذا الخطل، وقدم على مدى عقود أنموذجا رصينا لمعنى الكتابة وماهيتها من جهة، وأنموذجا آخر جميلا من جهة أخرى، وهو التطبيق العملي لخريج «المكتبات والمعلومات»، ولو قدر لهذا النوع من العلوم في الجامعات العربية، أن يقدم نموذجا مضيئا لدارسيه ربما لن يجد أجمل من اليوسف في هذا الاتجاه. إنه ينتشل المعلومة من براثن الزمن والجمود لتبقى حية متوقدة في أطر المعرفة والبحث والتوثيق، له إيقاعه الخاص وهو يرفد المكتبة الوطنية وذاكرتنا باستمرار بما هو مهم لكل باحث ومتقص لحال المشهد الإبداعي في السعودية «نشرا وإبداعا».
عرفت خالد اليوسف، وأنا غر يتلمس دربه قبل قرابة ثلاثة عقود، وهنا أتكلم عن جانب آخر خلاق فيه، وهو «إدارة الثقافة»، حين كان مسؤولا عن نادي القصة في جمعية الثقافة والفنون، نهايات الثمانينيات من القرن الماضي. كان شعلة من فرح، في تنظيم الأمسيات والندوات، وإصدار المجموعات والدوريات، ومتابعة المبدعين بكل أطيافهم من المخضرمين، وشداة الحرف من المبتدئين والمهمشين أمثالنا في تلك الحقبة، والتواصل معهم، بمشاعر وطنية رائعة، لا تعرف حدودا، أو انحيازا مناطقيا، أو جهويا، أو فئويا. إنه يمثل أكثر مظاهر السلوك الإنساني للأديب المنتج، جمالا وسحرا بما يمكن النظر إليه، مثالا للمثقف الوطني الحقيقي المستحق للاحترام والإجلال والتقدير. أما اليوسف المبدع «قاصا وروائيا»، فهذا جمال آخر، تضيق المساحة هنا للحديث عنه.