ارتبط اسم خالد اليوسف بحقول إبداعية متنوعة، فهو كاتب القصة القصيرة - حقله الفني الأثير - الذي بدأ به مشواره الإبداعي، وتألق فيه، ومنه تفرع إلى حقل الرواية مصدراً ثلاث روايات مهمة.
وهو كاتب مقالة، وناقد، وقارئ للحركة الإبداعية، له آراؤه الجريئة ورؤاه النقدية الدقيقة. لكن الحقل الأهم الذي يتميز به خالد اليوسف عن غيره، هو حقل الببليوجرافيا، هذا الحقل الذي لا نكاد نجد أحداً في ساحتنا الثقافية الآن يهتم به، ويوليه عنايته، ويمنحه حقه، كما يفعل خالد اليوسف. فمنذ أربعة عقود ألزم خالد اليوسف نفسه بمتابعة الحركة الإبداعية في السعودية، ورصدها - يومياً وشهرياً وسنوياً - ليقدم في كل عام سجلاً حافلاً، ورصداً دقيقاً، وتحليلاً واعياً، لمجموع ما أصدر خلال العام من إنتاجات إبداعية في كافة حقول الإبداع - الشعر، القصة القصيرة، الرواية، المقالة، المسرح، النقد، الأدب- وهذا الأمر ألزم به خالد نفسه، والتزم به طواعية. وعلى الرغم من الصعوبات والمتاعب الجسدية والمالية التي يتكلفها سنوياً، فإنه لم يتراجع أبداً عن مشروعه، ولم يتباطأ في تنفيذه، ليقدم للباحثين والمهتمين في مطلع كل عام حصيلة العام الذي سبقه على طبق من ذهب.
لذلك فإن خالد اليوسف - من وجهة نظري - من أهم الشخصيات المؤثرة في مسيرة الأدب السعودي، ولا أعتقد أن باحثاً أو مهتمًا بالأدب السعودي لم يرجع إلى جهوده، ويستفيد من رصده، فهو مصدر من أهم مصادر الأدب السعودي، وهو كنز معلومات متنقل وسحابة غيث محملة بالمطر تهطل في كل الأماكن، وتزهر في كل الحقول. وأعتقد جازماً أن لكل باحث قصة مع خالد اليوسف، وأن كل هذه القصص تشير إلى طيب معدنه، ودماثة خلقه، وسعة معلوماته، ورغبته في تقديمها، ومد يد العون بلا مِنّة أو تكبر.
ولعليِّ أتحدث هنا عن تجربتي معه، ففي عام 1412هـ كنت بصدد تسجيل موضوعي لدرجة الماجستير عن الرواية السعودية، وكنت قد اطلعت على كتابه (الراصد) وكتاب أستاذه الدكتور/ يحيى ساعاتي (حركة التأليف والنشر في المملكة)، وسجلت بعض المعلومات عن الرواية السعودية، لكني كنت بحاجة إلى المزيد، وبحاجة إلى الوصول إلى الروايات التي سجلت عناوينها، فبدأت بالبحث عن خالد اليوسف، وأرشدني الأستاذ/ أحمد بن يحيى البهكلي إلى مكانه في نادي القصة السعودي حيث كان وقتها سكرتيراً للنادي. فذهبت إليه أقدم رجلاً وأؤخر أخرى، لا أدري من أين أبدأ؟ ولا كيف سيستقبلني؟ وهل يمكن أن يساعدني؟ وكيف سيكون حجم هذه المساعدة؟
وكم كانت فرحتي ودهشتي وهو يستقبلني بكل حفاوة، وكأنه يعرفني منذ سنين، ليس هذا فحسب، بل إنه أخبرني بأنه يتابع ما أنشره من قصص قصيرة في الصحف، وأنه معجب بما أكتب، وانتزع ملفاً من ملفات النادي، وأطلعني على صور لبعض قصصي المنشورة في الصحف، وأطلعني على عدد هائل من الملفات التي يحتفظ بها في نادي القصة، فلكل قاص سعودي ملف يحتفظ فيه بما نشر له من قصص في الصحف والمجلات، وهناك ملفات للحوارات، وملفات للدراسات النقدية.
لقد أدهشني جمعه وترتيبه وحرصه ومتابعته، وقلت في نفسي هذا الرجل كنز حقيقي، وسأجد منه كل العون. وبالفعل خرجت ليلتها محملاً بعدد من الدراسات عن الرواية السعودية المنتزعة من الصحف والمجلات لأصورها وأعيدها إليه، منحني إياها بكل ثقة، وأعدتها بعد تصويرها بكل حب وامتنان.
وبعد ذلك جمعني بالدكتور/ سلطان القحطاني الذي كان يومها عائداً للتو من بريطانيا بعد انتهائه من رسالة الدكتوراه في الرواية السعودية، وقد أفدت كثيراً من هذا اللقاء، وقدم لي الدكتور/ سلطان القحطاني معلومات مهمة ومفيدة في بحثي. ثم بعدها جمعني بالدكتور/ يحيى ساعاتي، وكان أيامها مشرفاً وأميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية، ومن خلاله وبتوصيته صورت عدداً من الروايات السعودية التي لم أجدها في المكتبات العامة أو المتخصصة. وخلال رحلتي البحثية كلها، ظل خالد اليوسف مصدراً مهماً بالنسبة لي، ومرجعاً رئيساً أعود إليه متسائلاً ومستشيراً أو طالباً التأكد من معلومة لأجد عنده الجواب الشافي الكافي في كل حين- وقد أصدرنا معاً كتاباً ببليوجرافيًا عن الرواية السعودية وكنت خلال العمل معه على هذا الكتاب أتعلم منه حسن الخلق، ورقي الذوق، وحسن التعامل، كما أتعلم في الوقت نفسه الدقة والالتزام. إن خالد اليوسف قامة علمية وأدبية تستحق كل الحفاوة والتقدير، وستظل أعمالة وإنجازاته معيناً لا ينضب، ومصدراً مهماً لا يستغني عنه الباحثون. أسال الله أن يبارك له في عمله وعلمه، وأن يجزيه عنا خير الجزاء.