الموت سيّد الحياة الأزلي والمعمر الوحيد الذي ما يزال يركض فيها منذ بدء الخليقة وحتى آخر نفس فيها.. الموت لا يمر على البشر فقط، بل يعمد في طريقه إلى محو كل الصور الأولية وغير المعلنة والمطلقة أيضاً من صور الحياة.
الموت لا يتوقف أبداً على فهمنا له، خارج عن زمن الوقت والفراغ والطاقة، بجملة بسيطة جدًا: الموت حاضر منذ القدم، ومتواجد من قبل أن يُكتب التاريخ، وحين نتأمل هذا المعنى نعلم عظمة الله في هذا المخلوق من مخلوقاته. كأنما يفيض حضوراً في جسد الأشياء وكل الأشياء طوع أمره.. والإنسان الدائم التردد مهما كان سلوكه مرتبط بحريته واختياراته فإنه مرغم على قبول الموت.
كسيّد يأتي الموت محملاً بعناصر حتمية أبرزها التقبل رغم الخوف والإذعان للقرار المصيري، ربما لأن الموت يحمل في تكوينه مادة تستعصي على التغيرات.. مرتبطًا بقناعة محددة وهي المحو. الموت المتجذر على مدار التاريخ يخبر أن لا وجود لسيّد غيره مهما تعاظم الأسياد إلا أنه يزيلهم ويضمهم إلى مملكته المتسعة دوماً. ولكن هذا السيّد ليس بالضرورة أن يكون صارمًا فقد دلت الآيات القرآنية وجملة من الأحاديث أن هناك كثيرًا من الأرواح سيمر عليها الموت أو مرّ بلمسة دافئة آمنة لا تُلهب هذه الروح التي تقع ضمن سيطرته وتحت نفوذه. وكثيرًا ما يكون الموت معاناة، وتكون هذه المعاناة مدخلاً ضرورياً لعمق الفهم وتأصيل الرؤية.. الموت باعتباره سيّداً بإمكانه أن يكون قريبًا جدّا يرمي بنفسه أمام الصغار والكبار.. ونظل كبشر نراقب كيف يعمل ويزدهر دون أن يكلفه ذلك شيئاً.
** **
- رباب محمد