في قاعة الامتحان يجلس تلميذٌ بائسٌ لم يستعد لامتحانه جيّداً، فإذا طالع الأسئلة وأيقن أنه لا يتذكر أيّ معلومة تسعفه في امتحانه، اكتفى بكتابة اسمه أعلى ورقة الإجابة، ثم سَلَّمها لمراقب الامتحان كما هي بيضاء خالية إلا من اسمه المرفوع إلى أعلى الفراغ.
أنا ذلك التلميذ يا عزيزتي حين يسألني أحدهم عن (سيرتي الذاتية) مهما كان الغرض من سؤاله؛ إذ لا معلومة أكيدة في (سيرتي الذاتية) غير اسمي. أما بعد فإنني لا أحسن حياكة الأكاذيب كما يفعل الآخرون!
أسماؤنا هي أقل ما يمكننا اقتناؤه، ولربما حَمَلْنا تلك الأسماء منذ كنا أحلامًا أو أوهامًا في أذهان آبائنا. وحين يولد الإنسان يكون اسماً، فإذا اكتسب علماً وعمل به تدرَّج الاسم في أطوار الذات، فإذا اخضلَّت تلك الذات بسحائب الثراء والعطاء والسخاء صارت الذاتُ سيرةً. ولنا أن نسأل كيف يمكن لمن لم يَجِد ذاته بعد أن يكتب سيرته؟! وقد يكون السؤال الأدهى والأَمَرّ: كيف يموت الإنسان عارياً حتى من اسمه؟! إذا أردنا أن نعرف إجابة هذا السؤال الأخير فلننظر إلى ملايين القتلى الذين تسحقهم رحى الحروب والكوارث؛ إذ يصير البشر كالهباء المتطاير؛ فالقتلى عدادهم بالملايين، مذكورٌ عددهم، مجهولةٌ أسماؤهم، ولا بواكيَ لبعضهم. هكذا يصبح الإنسان أقربَ ما يكون إلى وهمٍ يتداوله هواة الأقاويل.
أسماؤنا أقل ما يمكننا اقتناؤه.. وربما تكون ذات موقف أثمن ما يمكننا اقتناؤه.. فعسى أن يتركها لنا الزَّمان!
خاتمة: لا تسألي من أنا؛ فذاكرتي بَحرٌ يُعاني عُقوق مَوجاتِه
لا مَعلَمٌ في مدى هَوامِشِها كي أستطيع السُّرَى لمشكاتِه
(واسمي)
واسمي على ذلك الكثيب وَقَدْ تَلهو بِهِ الرِّيحُ مثل ذَرَّاتِه
أنساهُ... أنساه...
أنساه حَتَّى إذا ظفرتُ بِهِ...
ضَيَّعْتُ ما كان مِنْ حكاياتِه!
** **
- فهد أبو حميد