د. حامد بن مالح الشمري
الإعلام العربي بشكل عام، والخليجي بشكل خاص، لا يجيد التعامل باحترافية مع الأزمات التي تمر بها المنطقة، بل إن الكثير منها أسهم في إيجاد حالة من الضبابية، في فكر ورؤية شعوب المنطقة تجاه بعض القضايا والأزمات والتحديات المهمة، ولا يقوم على إبراز المكانة الاقتصادية والعمق التاريخي والإسلامي والسياسي للدول الخليجية والسعودية على وجه الخصوص، إضافة إلى أهمية تسليط الضوء على دور بلادنا في استقرار الاقتصاد والأمن على المستوى العالمي والإقليمي. كما أن إعلامنا الخليجي ليس لديه القدرة على التأثير الفاعل، في مواجهة أدوات التطرف والعنف بكافة إشكاله التي تمارسه العديد من التنظيمات والجماعات، حتى أصبح لا يظهر إلا ما كان مرتبطًا بفعل قلة من المنتسبين للإسلام والمسلمين، أو من خلال الحديث الخجول عن بعض التنظيمات والمليشيات الإرهابية، وممارساتها الدامية بحق الأبرياء في أجزاء متفرقة من العالم، والإسلام لا يقر أي عنف، يؤدي إلى قتل الأبرياء، مهما كان المعتقد أو الدين أو الانتماء أو اللون أو العرق، خصوصًا إذا ارتبط الإرهاب بالطائفية المقيتة، أو بدواعي اجتماعية وتنموية في ظاهرها بينما الهدف الحقيقي، هو تحقيق مكتسبات حزبية وطائفية للمنظمات القائمة على ذلك على حساب تمزيق النسيج الاجتماعي، ونشر الخوف والذعر والفتن على نطاق أوسع.
إن تأثير وسائل الإعلام بكافة أنواعه، أدت إلى شيوع ونقل المعلومات والأحداث، غثها وسمينها، مما أدى إلى خلط المعلومات وزيادة حالة التشويش، بما في ذلك الاتجاهات الفكرية المتطرفة، واستغلال ذلك في تكوين فكر مناهض، على أسس عقدية ودينية وطائفية وبعيدة كل البعد، عن ثوابت الأمة، وفكر وعقل المسلم، والمحافظة على مكتسبات الوطن، ونبذ كل ما يتعارض مع مقاصد شريعتنا السمحة وتوضيح خطورة المنحى التكفيري أيا كان مصدره ومحاربته وتجفيف منابعه.
إننا بحاجة إلى إعلام محترف واقعي، يخاطب الآخر بلغته ومدعومًا بحقائق وأرقام تخدم قضاياه، ويكون إحدى الجبهات في معركتنا للدفاع عن مصلحة وأمن واستقرار دولنا الخليجية، ولديها القدرة المهنية على كشف الأعمال والمخططات الإرهابية وتعرية التنظيمات والدول الداعمة لفكرة الصراع وإشعال فتيل المواجهة الطائفية، وهو ما يتطلب توفر خبراء ومحللين في الشؤون العسكرية والعلاقات الدولية، وفهم الإستراتيجيات المحلية والإقليمية والدولية، وتوفير برامج تدريبية وتوعوية وتخصصية وبصفة مستمرة، لكافة المنتسبين للإعلام، كما يجب أن يكون المحللون والمراسلون الإعلاميون، من ذوي الاختصاص والخبرة، إضافة إلى حاجتنا إلى وجود مراكز للبحوث والدراسات والرصد، لقراءة واقع التطورات الإقليمية والدولية، والتنبؤ بالأحداث، التي يمكن أن تقع في المستقبل مع رصد ومتابعة للدراسات التي تصدر من الدول الأكثر عداءً لبلادنا، وأُمتنا الإسلامية، ويجب استغلال الإعلام في كل ما يخدم القضايا والتحديات المطروحة، وفي الوقت نفسه الرد على الأقلام المستأجرة، وكشف زيفهم وخطبهم الكاذبة المزيفة وبالأساليب والأدوات ذاتها.
إن العمق الإعلامي الإستراتيجي، يمثل الساعد الأيمن، للقوة السياسية والأمنية والاقتصادية، إضافة إلى تسريع نهضة وتطور وتنمية وبناء قدرات الشعوب، مما يتطلب وضع إستراتيجيات وأدوات إعلامية جديدة قادرة على التعامل الفعال مع القضايا والتهديدات والتحديات الأمنية والاقتصادية ومواجهة التطرف والتنظيمات التي تغذي ذلك وتحرض عليه، إضافة إلى تعزيز الشراكة الفعالة بين الإعلام والجهات التعليمية والثقافية والرياضية لتكريس قيم التسامح والمواطنة ونبذ التعصب وأسباب التفرق، مع أهمية وجود محتوى إعلامي ملائم يتماشى مع قيمنا الإسلامية والاجتماعية وذي أفكار وأهداف ومحددات يتفاعل ويستفيد منها المشاهد. الإعلام بكافة أدواته تقع عليه مسؤولية فضح وكشف التنظيمات العدائية ومن يدعمها ونشر الانتهاكات بحق السنة وقتل الأبرياء، إضافة إلى كشف زيف وتضليل الإعلام المعادي والمستأجر الذي سخر جهوده في ترويج الشائعات وطمس الحقائق. نحتاج إلى إعلام متفاعل يقدم مادة إعلامية مدعومة بالأرقام والصور عن تلك الممارسات الدامية بحق الأبرياء وتعرية من يقوم خلفها أو يدعمها ويمولها وبشكل مستمر.