سلمان بن محمد العُمري
من المقولات الدارجة والخاطئة استذكار بعض القصص من الماضي القريب أو البعيد واتباعه بمقولة الزمن الجميل وزمن الطيبين، وكأننا لا نعيش سوى في زمن النكد والضنك والشدة والعوز، وهذا مناف للحقيقة والواقع فالخير في كل زمان ومكان، وما يعيب به زماننا مما به عابة من قبلنا، فهي سمة لازمة في التشكي من الزمان وأهله والتحسر على الماضي.
إن الماضي جميل والحاضر جميل والقادم أجمل بإذن الله، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « تفاءلوا بالخير تجدوه «، وهو مطلب شرعي قبل أن يكون واقعاً نعيشه؛ ولله الحمد في الأمن والإيمان والرخاء والاطمئنان وأحوالنا الدينية والدنيوية والاجتماعية.. ولعلي أسوق مثالاً يجمع بين هذه العناصر الثلاث الدينية والدنيوية والاجتماعية وهو البذل والعطاء للمحتاجين.. فهذا الأمر لم يتوقف ولله الحمد، بل نجد صوراً من الإنفاق والإحسان لم تسجلها العصور الماضية وإذا استمعنا لها وقرأنا عنها وكأنها من قصص الخيال لما فيها من السخاء والجود بلا منة وبلا ضجيج إحسان في القول، وفي العمل، ووفاء في زمن المتناقضات والمصالح والمنافع المتبادلة.
إن كل زمن من الأزمان وكل مكان يحفل بالخير والشر وتتفاوت النسب، وفي بلادنا ولله الحمد يبقى الخير بين الناس منتشراً لما فيه من رغبة في نيل الأجر من الله -عزّ وجلّ- وهو موجود في بلدان فقيرة وبين أغنياء وفقراء ومشاهير وبسطاء، ولعلي استشهد مما يفعله أحد لاعبي فريق ليفربول المسلم السنغالي ماني، والذي حاز على جائزة أفضل لاعب إفريقي في عام 2019 م فقد ذكر لي أحد الدعاة من السنغال أن هذا اللاعب ساديو ماني رجل فيه خير فهو يبني مدارس ومراكز صحية وعيادات طبية ويمول أعمالاً خيرية في بلاده، بل وحتى في إنجلترا يساهم في نظافة المسجد القريب من مسكنه.
وسبق أن ذكرت عن اللاعب الموهوب محمد الشلهوب وما يقوم به من أعمال خيرية وغيره كثير من اللاعبين والمشاهير ممن لا يبخلون بمالهم ولا بجاههم.. وقد أوردت هذا المثال لهؤلاء لأن نظرة البعض عن أهل الرياضة وغيرهم دونية وأما الأمثلة الأخرى فكثيرة.
يروي لي أحد الزملاء أن معلماً يشتري عند حلول الشتاء بعض الملابس الشتوية «شالات، قفازات، جوارب، جاكيتات» ويوزعها على بعض الطلاب الذين يراهم لا يرتدون الملابس الشتوية الجيدة وبطريقة هادئة لا تحرج الطلاب، ويحرص على ألا يأتي بلون واحد وشكل واحد حتى لا يكون لبس الطلاب ظاهرة فينحرجوا مع زملائهم كما أن إعطاءهم يكون بأسلوب وبعيد عن أعين المعلمين.
والطلاب على حد سواء، وآخر يحدثنا عن امرأة كبيرة في السن ترسل مع سائقها بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب علب الحليب والشاي، ويضعها بجوار سخان الماء ليشرب منها السائقين في الشتاء والبرد القارس، وآخر يشتري مئات البطانيات في كل شتاء ويوزعها على الضعفاء والمساكين، بل تعدى ذلك إلى صور أخرى أكبر من ذلك؛ كمن اشترى منزلاً لوالد صديقه، وآخر.
تكفل بعلاج زميل والده في الخارج وتحمل جميع النفقات على حسابه دونما أن يطلب منه ذلك وفاء لوالده وغير ذلك من القصص التي لا يتسع المجال لذكرها؛ فهل يستحق هذا الزمان الذي حوى هذه الأعمال والمبادرات الخيرية للفرق التطوعية وأعمال الإنقاذ وغيرها من الأعمال الإيجابية أن نقول عنه إنه زمان رديء، وأن نعيب هذا الزمان ونتحسر على الماضي.
وصدق الشاعر إيليا أبو ماضي حين قال:
(كن جميلاً ترى الوجود جميلاً)