لطالما نجد مجتمعاتنا تضج بالأمراض والشكاوى من حياتهم، وممن حولهم، متذمرين، لا ينطقون إلا سُمًا قاتلاً، يلدغ أفئدة السامعين لهذه القصة الحزينة؛ لما يواجهونه من حرب حياتية ومَرَضية، تكاد تبيد أرواحهم عن العيش الرضيّ.. يمرضون فيُصدرون موسيقى آهاتهم للعلن، وكأن الله ميزهم دون غيرهم بأمراض معتادة، يعانيها أغلب الناس من حولنا.. لكنهم يجدون أنفسهم مختصين بهذا المرض، وبكيفية وصفه وأرقه، ويفسرونه تفسيرًا وتصفيفًا من رأسهم لأخمص قدميهم، ينتزعون الصحة من المتعافين من كثرة بكائهم المعتادة على أوجاعهم البسيطة التي يراها الأكثر مرضًا هدفه دغدغة يومية؛ كي يستذكرون الله حمدًا وشكرًا على دوام الصحة والعافية..
المتألمون والمرضى حقًّا لا يتحدثون عن أوجاع أجسادهم المنهكة؛ فليس كل وجع مرضًا جسديًّا. أحيانًا الأوجاع تتشكل بقالب نفسي وحسي.. وهذا الأكثر فتكًا بصاحبه؛ لأنه يلقي به إلى منحدرات ضيقة منزوية عن العالم أجمع.
لا ألم إلا ألم القلب والفؤاد؛ فالناجون منه قليل، والصامتون عنه شبه منعدمين من الوجود.. فمجتمعنا عودنا على الشكوى والتذمر، وهدره لطاقته وطاقة غيره: لماذا أنا دون غيري؟
لا يعلمون أن الله لا يختص إلا أشد عباده حبًّا، يحبه فيريده أن يقربه منه أكثر بالدعاء والعبادات؛ كي تحيطه العناية الإلهية من كل جانب..
هو الله ألطف من العبد بنفسه، يريد بنا اليسر لا العسر، يريد لنا الخير لا الشر.. خلقنا بفطرة نقية صافية، ليس فيها لغو ولا تأثيم.. نخرج لوجه الدنيا نظيفين بريئين من كل دنس وذنب، وللحياة وجهتها التي تولينا لها..
فماذا نحن فاعلون أمام كل هذا النعيم المحيط بنا من كل جانب، ننساه لأجل ألم عرضي، لا يلبث إلا أن يهدأ ويزول بمجرد لفت نظرك عنه، وعدم التركيز عليه والتكلم عنه أمام الغير.. فكلما تركز عليه في عالمك يزداد بكثافة، كالدخان ينتشر ويغزو حياتك وكونك بسرعة البرق..
فكن لله من الممتنين الشاكرين لما أنت فيه الآن، ولما كنت عليه سابقًا، ولما ستكونه مستقبلاً.. واخفض صوت وجعك؛ فليس كل آذان مُصغية لضجيج ألمك ستدعو لك، بل سيصيبها الضجر والسأم من سماعك.
فكن صابرًا محتسبًا، ولا تُكبِّر آلامك كي لا تزيد من حجمها وتوسعها، وحتى لا تعيش في نطاق ضيق من المعاناة والشكوى المستمرة.