«الأجل المحتوم» الذي واجهه الجنرال الإيراني المجرم قاسم سليماني، هو نهاية كان يستحقها بالفعل منذ وقت طويل.
فمن عام (1998 إلى 2020م) قاد سليماني فيلق القدس وهو أحد الأفرع التابعة للحرس الثوري الإيراني «الباستيج» بعد مقتل الجنرال أحمد وحيدي، هذه العقود قدم فيها سليماني خدمات جليلة تميزت بالخسة والنذالة باركها النظام الإيراني فكان يزرع العملاء ويتواصل معهم ويساند العمليات التي تقوم بها أذرع إيران في المنطقة عبر مدها بالسلاح والذخيرة مع جميع وسائل الدعم لكي تخدم مصالح هذا النظام ومشروعه التوسعي.
هذه العمليات كانت تنفذ خارج حدود إيران خصوصاً في سوريا ولبنان والعراق واليمن وتتم عبر ميليشيات لحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق وجماعة الحوثي الانقلابية في اليمن وكان الهالك والطائفي البغيض هو القاسم المشترك فيها لما يحمله من تاريخ أسود وسيرة قذرة تأذت منها الشعوب.
نهاية مغامرات قاسم سليماني رسمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكتبت سيناريوهاتها في غرفة عمليات خاصة في دولة قطر ووقعت أحداثها داخل محيط مطار بغداد الدولي، فبعد أن اختفت السيارتين عن الأنظار عبر طريق خاص بعيداً عن النقاط الأمنية وكانت تنقل إحداها قاسم سليماني مع مرافقيه والثانية كانت بداخلها نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، أبو مهدي المهندس ومعهما شخصيات أخرى من الميليشيات التي تدعمها إيران، أحس الآخرون أن هؤلاء في مأمن ولكن الله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل فسلط عليهم من هو أقوى منهم فوقع الجميع في مصيدة ترامب الماكرة والجريئة في الوقت نفسه عبر صواريخ ذات شفرات فولاذية بهجوم محكم حوّل السيارتين إلى كتلة من اللهب تناثرت خارجها أشلاء آدمية بنهاية لن تنسى بسهولة.
سليماني ليس شهيداً ولا بطلاً شجاعاً بل كان جباناً يحمل صفة تليق به كإرهابي يجب قتله منذ سنوات. مورس القتل والتعذيب والاغتصاب تحت أمرته، وتجاوز جميع الأعراف الإنسانية فشكت الأرض من وقع أقدامه العفنة، وترك خلفه الآلاف من اليتامى والأرامل والرضع الذين يقتلون وهم على صدور أمهاتهم المكلومات برحيل أزواجهن في العراق وسوريا. تلذذ سليماني الملوثة أياديه بالدماء بالقتل وبدم بارد وخصوصاً ضد المسلمين والمسلمات السنّة في العراق وسوريا ولبنان واليمن لكن نفوقه بات ينبئ بظهور حقبة جديدة ألقت بظلالها على «فيلق القدس»، وسيواجه القائد الجديد الذي عينه المرشد الإيراني علي خامنئي لهذا الفيلق العميد إسماعيل قاآني مهمة شاقة في سبيل بناء هيكل جديد له أو المحافظة على وضعه الراهن.
بلا شك أن النظام الإيراني خسر خسارة بشرية خلال السنوات الماضية من جنود جيش وأفراد حشد شعبي شيعي عراقي وكذلك عملاء وضباط بارزين تساقط أغلب هؤلاء المارقين والقتلة الأشرار هنا وهناك وبزعمهم أنهم بهذه النهايات المأساوية لهم سيصبحون شهداء، بل إن النظام يطلق عليهم ذلك، ولكن شتان بين هذا وذاك فالقتلى والمصابون الأحرار الذين يسقطون بالآلاف في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن هم الأولى بالشهادة الحقة بعد أن سقطوا ضحايا لهؤلاء المزعومين الذين ذهبوا إلى مزبلة التاريخ، ومن ثم إلى جهنم وبئس المصير.
المجرمون الإيرانيون الذين سار قاسم سليماني على نهجهم كثر بل تفوق عليهم بطرق قتل جديدة تفنن في تطبيقها على ضحاياه وكان أشهرهم العميد حسين همداني من الحرس الثوري الإيراني الذي قتل في مدينة حلب السورية عام 2015م. وهناك قائد إيراني آخر بارز هو العميد فرشاد حسوني زادة، القائد السابق لفيلق «صابرين» الإيراني في سوريا. كما أن حزب الله اللبناني قد خسر قائداً لا يقل أهمية وهو حسن حسين الحاج الذي قتل أيضاً في مدينة إدلب السورية في عام 2015م.
لكن مقتل المجرم الإيراني الجنرال قاسم سليماني هو الأبرز خلال المرحلة الحالية فهو من ناحية قضى على جزء مهم من النفوذ الإيراني في المنطقة. أما الثانية فأبرز دوراً أمريكياً جديداً فاعلاً تجاه سلوك النظام الإيراني وألاعيبه ومرسلاً له رسالة مهمة من الإدارة الأمريكية ذات معنى واضح مفادها أنها لن تتهاون مع مهددات خطيرة ستطول المنطقة برمتها. وأنها ستمضي قدماً في تعزيز المصالح الأمريكية والدفاع عنها مهما كلفها الثمن.