أ.د.عثمان بن صالح العامر
في منتصف عام 1427هـ (2006م) نُشرت دراسة علمية (ميدانية) مُحكمة عن (ثقافة العمل التطوعي لدى الشباب السعودي)، وكان من بين الموانع والتحديات التي خلص لها الجانب الميداني في الدراسة (عدم وجود نظام موحَّد للتطوع في المملكة؛ الأمر الذي أفقد العمل التطوعي - أو ما ينعت بالخيري/ الأهلي، أو ما يسمى عند كثير من المنظرين بالقطاع التنموي الثالث، بوصفه قطاعًا مستقلاً عن الحكومي والخاص - قدراته التخطيطية والتنظيمية، وغياب التنسيق بين مؤسساته، وغلبة الازدواجية في فعالياته؛ وهو ما أثر سلبًا على مكانة التطوع في المجتمع وتقدير الناس له).
لذا كان من أولى وأهم التوصيات لهذه الدراسة: (إنشاء هيئة رسمية، يناط بها العمل التطوعي وشؤونه، تتولى رسم سياسة العمل التطوعي، وصياغة نظام موحَّد وشامل للتطوع في المملكة العربية السعودية، يبيِّن واجبات المتطوع وحقوقه، وتسعى لتنسيق العمل التطوعي ومنع الازدواجية). هذا ما جاء على لسان الشباب والفتيات عينة الدراسة في ذلك التاريخ. وربما انتهى إلى ما خلصت إليه غيري كثير من الباحثين المهتمين بهذا الحقل المعرفي المهم. وبقي ما قيل وكُتب مجرد تنظير أكاديمي عديم الأثر، أو على الأقل محدود التأثير، حتى جاء اليوم الذي يتحقق فيه على يدي مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- هذا الأمر الذي سيدفع مضلع المثلث التنموي الوطني الثالث المهم قفزات حيوية فعالة ومؤثرة في سبيل المشاركة الحقيقية في صناعة مستقبل السعودية الواعد.
لقد أقرَّ مجلس الوزراء الموقر في جلسته الثلاثاء الماضي (نظام العمل التطوعي)، وهو جزمًا سيكون اللبنة التي يُبنى عليها طموح رؤية المملكة 2030 التي أولت التطوع جُل اهتمامها باعتباره مطلبًا إسلاميًّا أولاً، وقبل كل شيء، ثم هو مطلب حضاري مهم في مشاريعنا الحالية والمستقبلية، جاعلة (المليون متطوع) هدفًا أساسًا من أهدافها التي تسعى لتحقيقها قبل حلول العام المفصلي في تاريخ بلادنا الغالية 2030.
إن ما جاء في مواد النظام من أهمية التدريب، واحتساب ساعة التطوع للمنخرط في هذا المجال، ثم الحصول على شهادة خبرة، إلى غير ذلك كثير، سيكون له أثره في نشر ثقافة التطوع وسط مجتمع الشباب، خاصة طلاب وطالبات الجامعات، ولكن هذا لا يعفي المؤسسات الأكاديمية من القيام بدورها في تحفيز وتشجيع هؤلاء الطلاب للاندماج في المجتمع التطوعي، مع تبصيرهم بأهمية فعل الخير وصنائع المعروف (دينيًّا وإنسانيًّا ووطنيًّا ومجتمعيًّا وذاتيًّا). كما يوجب على القطاع الخاص، فضلاً عن الحكومي الذي له ارتباط ومساس بالعمل التطوعي، دعم هذا القطاع، خاصة في مراحله الأولى من أجل أن يشارك بفاعلية في مستقبلنا التنموي، كما ينتظر منه قادة بلدنا المعطاء -حفظهم الله ورعاهم- ويأمله مجتمعنا الوطني الخيِّر. ودمت عزيزًا يا وطني. وإلى لقاء. والسلام.