سليمان الجاسر الحربش
أصبح الإعلام البترولي وإعلام الطاقة على وجه العموم ضرورة ملحة في ظل ما تشهده البلاد من تطور اقتصادي وثقافي عم فيئه كافة أطياف المجتمع السعودي بشكل يدعو إلى الإعجاب والترقب.
وضرورة هذا الإعلام تنطلق في رأيي من مبررات ثلاثة الخصُها أولاً: بما ترمي إليه الرؤية وما تتطلبه من جهد تنويري يستمد جذوره من تلك الكلمات التي وجه بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله بعض الكتاب ورؤساء تحرير الصحف السعودية عندما قال:
«أبرزوا رسالة المملكة وإسهاماتها للعالم»
وثانياً: تلك النقلة الهيكلية التي شهدتها شركة أرامكو السعودية وقد عرفت عند الجميع بالطرح وما ولّدته عند عامة الناس من تفاؤل وتساؤل وتطلع.
وثالثاً: وصول الأمير عبدالعزيز إلى منصب وزير الطاقة وهو يختلف عمن سبقوه من الوزراء فقد شق طريقه من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن إلى الوزارة مروراً بعدة مهمات ومحطات إذ تدرج في المنصب من مستشار للوزير إلى وكيل وزارة ثم مساعداً للوزير فنائباً له ثم وزير دولة لشؤون الطاقة إلى أن توج الأمر الملكي في 8 سبتمبر 2019م هذا التدرج بتسميته وزيراً للطاقة وهو بذلك ينفرد مع المرحوم عبدالله الطريقي في كونه وصل إلى المنصب عبر صعود سلم الوزارة الوظيفي بخلاف من سبقوه من الوزراء الذين أتوا من جهات أخرى، هذه الرحلة رتبت للأمير رؤية خاصة به كما سنوضح في ثنايا هذا المقال.
الحديث عن إعلام الطاقة بعد هذه المقدمة لا يمكن أن يكتمل بمعزل عن التطور المؤسسي لصناعة البترول في المملكة العربية السعودية وقد مر بعهود ثلاثة:
1. المديرية العامة لشئون الزيت والمعادن.
2. وزارة البترول والثروة المعدنية.
3. وزارة الطاقة.
في عام 1961م قرر الملك سعود رحمه الله نقل جهاز الزيت والمعادن من جدة إلى الرياض وفصله عن وزارة المالية، وتحويله إلى وزارة حملت ذلك الاسم العتيد، ولم يكن غريباً أن يختار لها وزيراً هو المرحوم عبدالله الطريقي ضمن تعديل وزاري تضمنه المرسوم الملكي رقم 37 في 1380/7/3هـ.
كانت وزارة البترول والثروة المعدنية من بين كل الوزارات واجهة حضارية ومصدر إشعاع في وطن يشق طريقه بكل ثبات نحو العمران الحديث، يكفي أن نذكر أن تلك الوزارة ضمت أفضل مكتبة متخصصة في المملكة انتقلت مع كل الجهاز واستأجرت جناحاً في وزارة المواصلات على طريق المطار القديم ثم انتقلت إلى مبنى شيد خصيصاً لها آل فيما بعد إلى القوات الجوية واختفت معالمه. لكن الذي أذكره ويذكره بشغف كل من عمل بالوزارة أن ذلك المبنى ضم من بين مرافقه قاعة المؤتمرات الوحيدة في الرياض الذي يتوفر فيها أسلوب الترجمة الفورية وعقد فيها أحد اجتماعات أوبك ثم أصبح موئلاً للعديد من المؤتمرات بعضها لا علاقة له بالبترول، ذلك قبل أن تتوفر المباني والأجهزة التي تشهدها مدننا في هذا العهد الزاهر.
لم يكن الإعلام المتخصص صناعة متكاملة كما هو في عهدنا الحاضر لكن الوزير الطريقي وهو الخبير بشؤون الزيت والمعادن كان بشخصه وسمعته المشرفة منصة إعلامية برز من خلال محاضراته في مؤتمرات البترول العربية بدءاً من عام 1959م وفي الموسم الثقافي لجامعة الملك سعود بالملز، كان إعلام الطريقي موجهاً لكل من الرأي العام المحلي والعربي والدولي ولا أعدو الحقيقة إذا قلت إن الدور الإعلامي للمرحوم الطريقي ولد رأياً إعلامياً محلياً تمثل في بعض المقالات التي نشرتها الصحف المحلية في تلك الحقبة.
في مارس 1962م وصل الأستاذ أحمد زكي يماني إلى سدة الوزارة، وهو شخصية إعلامية كانت مؤتمرات أوبك مسرحاً لإبرازها، ثم جاءت أحداث 1973م وما بعدها وصار النفط وأسعاره وأسواقه وآثاره على حياة الناس حديث المجالس، وشهدت تلك الفترة في عهد الملك فيصل (الموجه الحقيقي لدفة السفينة البترولية) إن أوكلت أوبك للمملكة مهمة التوعية حول مطالب الدول الأعضاء وهو تفويض أثمر بسبب مكانة المملكة البترولية.
وعندما تسلم المرحوم هشام ناظر منصب الوزارة جاء بأجندة تختلف عمن سبقوه فاستقطب عدداً من الكفاءات تعرضت لها في مقال رثيت بها المرحوم نشرته جريدة الجزيرة بعنوان «في بلاط هشام ناظر» من هؤلاء أخص من له علاقة بأعلام الطاقة وهو الدكتور إبراهيم المهنا الحاصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية وقد أوكل إليه مسئولية الإعلام البترولي وهي مهمة أداها الدكتور إبراهيم بكفاءة عالية تسنده ثقافته السياسية وعلاقاته الودية مع الأطراف التي تلاحق كل ما يصدر عن المملكة، خاصة أن المرحوم هشام ناظر رغم ثقافته السياسية المعروفة لم يكن يشعر بالراحة (على النقيض من سلفه) عندما تحاصره الأضواء.
وكان طبيعياً أن يسير كل من المهندس علي النعيمي والمهندس خالد الفالح على هذا النهج كيف لا وقد ترعرعا على ثقافة الاتصال التي هي سمة من سمات الشركة التي احتضنتهما سنوات عديدة تسندهما مقدرة فائقة على التحدث باللغة الإنجليزية ومقدرة لا يلحقها الشك في فهم دقائق الصناعة البترولية. ويلاحظ مما سبق أن إعلام الطاقة خلال الفترة الماضية كان موجهاً لجمهور أجنبي كما أنه لا يستند إلى إستراتيجية إعلامية واضحة المعالم بل أنه كان يأتي إما عفو الخاطر أو رد فعل لمناسبة معينة وفي هذه الحالة الأخيرة لا تخلو هذه الردود من بعض الهفوات.
أما في عهد الأمير عبدالعزيز ووزارة الطاقة فالأمر مختلف والحديث عن هذا الموضوع ذو شجون إذ ليس الهاجس الوحيد هو إعلام الطاقة الخارجي وهو شأن يتمتع به الأمير بمقدرة فائقة.
لكن بعد الاكتتاب سيكون الشأن البترولي شأناً محلياً بين مختلف فئات الشعب السعودي وسوف تسمع من يملك عشرة أسهم يتساءل عن قضايا هي من اختصاص وزارة الطاقة من أهمها خطة عمل الشركة وما تنطوي عليه من آثار على أداء الشركة المالي (مثل قد يدعو للتندر لكنه حقيقة).
موجز القول إن الطرح والاكتتاب فتح الباب لثقافة مختلفة عن العهد السابق لخصها السيد أمين الناصر رئيس شركة أرامكو في مقابلة معه خلال المؤتمر السنوي المعروف بالمال والنفط Oil And Money في لندن العام المنصرم عندما أجاب على سؤال من حاوره: لماذا الطرح ؟ فقد أحال السائل في البداية إلى تصريحات صاحب السمو الملكي ولي العهد حول الرؤية، وبكلمات المهندس أمين: أنه لكي ينمو الاقتصاد الوطني بشكل مستدام فإن المطلوب أن يأتي النمو من أكثر من محرك Multiple Engine بدلاً من محرك عملاق واحد Mega Engine وهو الزيت والغاز ثم أسهب في مزايا الطرح وما يرتبه من شفافية وإفصاح يحتم وضع كل شيء على الطاولة على حد قوله وضرب مثلاً على ذلك بتكلفة الإنتاج، والذي ورد ضمناً في حديث رئيس الشركة هو أن الشفافية والإفصاح سيتبعهما بداهه نظام من الحوكمة من ملامحه شعور الجمهور أن من حقه أن يطلع على مجريات الأمور.
ولكل ما تقدم فإنني أتمنى أن تواكب هذه التغيرات التي تشهدها البلاد في أهم قطاع حمل مسئولية التنمية الاقتصادية والاجتماعية لعدة عقود، إستراتيجية إعلامية ذات بعدين خارجي وداخلي ولا يساورني أدنى شك في أن الأمير عبدالعزيز أهل لحمل هذه الرسالة، وقد أثبت ذلك من خلال أول مؤتمر تعقده أوبك بعد تسنمه المنصب إذ أعاد للمنظمة هيبتها الإعلامية وقضى على تلك المسرحية التي تصاحب افتتاح المؤتمر الوزاري عندما يتكأكأ الصحفيون على رؤساء الوفود مع ما يصاحب ذلك من أسئلة استفزازية تخرج الوزير عن طوره أحياناً وكأن أجندة المؤتمر تكتبها وسائل الإعلام ولا أبالغ إذا قلت من وحي التجربة إن بعض الوزراء يذهب إلى مؤتمرات أوبك وهاجسه الأول هو كيف يتعامل مع وسائل الإعلام. ثم عزز الأمير ذلك بمقابلتيه مع CNBC وبلومبرج أثبت فيهما خاصة بلومبرج ما يتمتع به من حكمة ومعرفة بل وبعد نظر تؤهله بأن يتولى زمام الإعلام المتخصص بنفسه أو بمعنى آخر أن تكون منصة الطاقة بكل جوانبها منطلقاً لسياسة إعلامية جديدة تشارك في وضعها وتنفيذها كل المؤسسات ذات العلاقة بشئون الطاقة في المملكة، وكم يثلج صدر كل مواطن أن تكون هذه البداية الإعلامية المنشودة جزءاً من استعداداتنا لاستضافة الدورة القادمة لقمة العشرين في مدينة الرياض هذا العام.