مها محمد الشريف
إن تجنيب العالم من الغرق في الفوضى والحرب والدمار، مهمة تدعو إلى السلام وتتميز بالمشاركة في الأحداث السياسية والصراع القائم بين الدول، وصورة تتسع للمجتمع الدولي بأسره، وبعد انتهاء قمة برلين بشأن الأزمة الليبية وتأكيد قادة أبرز الدول المعنية بالنزاع في ليبيا، التزامهم بحظر إرسال الأسلحة إلى هذه الدولة، وعدم التدخل في شئونها الداخلية، تلقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان «هزيمة نكراء» بشأن خططه في ليبيا.
وجميع الشخصيات بلا استثناء تشترك في نوعية الخطاب الموجه إلى تركيا، بعد أن أفضت النتائج إلى نهايات معاكسة تماماً لما تشتهيه أنقرة، ففي برلين اجتمع قادة الاتحاد الأوروبي وروسيا وتركيا وهم من بين أولئك الذين أعلنوا التزامهم بإنهاء التدخل الأجنبي في الحرب الليبية، ودعم حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، وأصبح أردوغان وحيداً في محاولات تغلغله في ليبيا لا داعم له إلا السراج وقطر والإخوان.
بينما الأوروبيون والروس التقطوا الأمور، وبحثوا فرض عقوبات على تركيا، شددت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل على أنه لا توجد وسيلة عسكرية لإنهاء النزاع، «وإنما فقط حل سياسي»، في غضون ذلك، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن جميع القوى الكبرى الحاضرة بالمؤتمر تتشارك «التزاما قويا بوقف» أي تصعيد إضافي في المنطقة.
وهذا قدر كل تدخل سافر في شئون الدول وانتهاك سيادتها هو أن تهان وتتعرض للإيقاف والإقصاء في آخر المطاف، فكما تعرض رئيس تركيا لأكبر إهانة من الدول المشاركة في المؤتمر، تثار عدة أسئلة حول الموقف التركي. بعدما أرغم على التوافق ودعم الاتفاق وأثبت أيضاً ضعفه أمام تدخل أطراف دولية أقوى منه.
فهل يعني أن أردوغان خسر ولم تبق له حيلة إلا الإرهاب؟، مع الدول الراعية للإرهاب من حلفائه، هذا ما سيحدث مع إمبراطور الكراهية، فكانت لقاءاته الصاخبة وخطبه الرنانة التي سبقت المغادرة إلى برلين تتوعد وتهدد كعادته أن تركيا «أصبحت مفتاح السلام في ليبيا».. مشيراً إلى أن موقفها «لعب دوراً كبيراً في كبح جماح» حفتر.
وتطرق أيضًا إلى الزيارة التي قام بها حفتر أمس إلى أثينا وقال إن تركيا «لا تقيم وزنا» لهذه الزيارة.. مضيفاً أن «اليونان انزعجت لعدم دعوتها إلى مؤتمر برلين، والاتفاق بين تركيا وليبيا أفقدها صوابها»، ما من شك بأنه يستحضر أدواته و أسلحته التي يسعى بها لإفشال اتفاق المؤتمر.
بدأ تمزق هذا الفكر الاستعماري بعد تمزق الدولة العثمانية، وجاء مؤتمر برلين ليحطم طموحات تركيا في الاستحواذ على النفط الليبي وغاز البحر المتوسط، فلن يتبقى لأردوغان والسراج إلا الرضوخ لمخرجات المؤتمر، وأجبرها على عدم إرسال مرتزقة إلى ليبيا.
وانتهت الشعارات المضللة بأن «الطريق المؤدي إلى السلام في ليبيا يمر عبر تركيا»، انكشفت الأطماع واللعب في الساحة السياسية الدولية ووجد السلطان التركي نفسه مصدوماً داخل حدود المؤتمر وانتهت مسرحية الحلفاء المنتصرين ولم يجد في مخيلة الكثير من الألمان أو الاتحاد الأوروبي سوى أحاسيس متفجرة تدين سياسته الاستعمارية حتى تبعثرت كثبان الرمال بعدما حفر الخنادق وأصبحت جغرافية الأرض متصدعة تحت أقدامه.