د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** حظي الوجهُ الاجتماعي الظريف سعد بن محمد الخويطر 1366 - 1418هـ بحضور نابهٍ في بيئته، وربطت صاحبَكم به علاقةُ تقديرٍ تتيح التجسير ولا تبيح التجاسر، وحدَّث صديقٌ أن سعدًا علَّق يومًا على طريقة صاحبكم في المشي فقال سعد - رحمه الله-: انتبهوا لمشيته فهو لا يسير وسط الشارع بل يلتزم طرفه حتى يكاد يمسُّ أبواب المنازل، وكأنه يعني أنه «يمشي بجانب الحائط» جسديًا، ولم تكن المواقفُ حينها تأذن باكتشاف دلالات الجملة معنويًا، وإن ظن أن ثمة تشابهًا لا يبلغ حدَّ التماثل.
** ربما تأثر صاحبكم - من غير أن يتعمد- بجدل «التعادلية» بين عباس محمود العقاد وتوفيق الحكيم؛ فالسيرُ وسط الشارع ربما يُفضي إلى الموت، وإذ ليست لدينا في «عنيزة» شوارعُ القاهرة ومعظمُها ممرات تشبه شوارع المشاة فلا خوف من يمينٍ أو يسارٍ أو وسط، والعاداتُ تحكم وتتحكم، ومن نشأَ على أمرٍ شاب عليه، ولأنماط المشي سجلٌ تأريخي فيه هريرةُ الأعشى والمشية العُمرية، وعدّ الإمام ابن القيم 691- 751هـ في «زاد المعاد» عشر مِشيات.
** بين اليمين واليسار تاهت أجيالٌ أرهقت عقولَها وقلوبَها بشعارات المرحلة التي افترضت الطرَفية وأدت إلى التطرف، ولم ينجُ إلا قلةٌ نأوا بضمائرهم كما ألسنتهم وكتاباتهم عن المعسكرين المتناوئين، ووعينا في تجارب عقلائهم ما جعل ثلة من مريديهم يسلكون نهجهم، وربما وُصموا بالسير قرب الحائط، فسعدوا به؛ فماذا أفرزت صراعات الأدلجة والبرمجة غيرَ غيابٍ وتغييب واغتياب؟
** وبعد ذيوع تطبيقات التقنية الرقمية ازدادت محاكمات التأريخ عبر قراءة شخوصه ونصوصه واستقرائها، وفي المحكمة قضاةٌ ذوو اتجاهات متباينةٍ فتحوا ملفاتٍ عتيقة مضى على بعضها قرون، وانتهى بعضها إلى تعرية رموزٍ وعرض سوْءات وتوسعة خصومات بما لا يتيحُ موقعًا للمعتدلين، والناتجُ مزيد افتراقٍ وشقاق.
** نماذجُ طرفيةٌ في المسارين المتوازيين غير المتقابلين، وفي مقابلهم توسطية نادرةٌ مثَّلها قلةٌ منهم الفارسُ النبيل غازي القصيبي 1940 - 2010م فقد سأله صاحبكم - وهو وزيرٌ مقتدر- عن عدم طباعة رسائله:(حتى لا تكون فتنة) - التي ذاعت على شكل أوراق وقت اختلافه مع بعض من سمّوا زعماء الصحوة - فأجاب: إنها كتاباتٌ مضى وقتُها ولا يود بعثَها والإساءة إلى ذويها.
** وفي اتجاهٍ مقارب لم يغادر الحقيقةَ رجلُ الأعمال الصينيّ «جاك ما 1964م -»صاحب موقع «علي بابا»- حين وصف ذوي العقول الفقيرة بأنهم أسوأُ من يمكن التعاملُ معهم من بني البشر، وله مبرراته في نطاق أعماله، ولكثيرين تجارب مماثلةٌ مع مشابهين يقرُّ في قاعهم المتلونون الذين تصطفي قلوبُهم باطنيةً مقيتةً، والجاحدون الذين ينكرون تأريخهم، والحاسدون الذين يعنيهم سقوطُ غيرهم فوق ما يعنيهم نهوض ذواتهم، والأدعياءُ والأوصياءُ ومن جرى مجراهم من ذوي التطرف الشعوري والعَقدي والثقافي والنفعي، فهل ثمّ فقر أقسى من هذا الفقر؟
** العقل طريق.