د. حامد بن مالح الشمري
تمثل البطالة واحدة من أهم وأخطر القضايا ذات التأثير المباشر على أنشطة وبرامج التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية وكذلك على الفرد والمجتمع، والبطالة تقلل من قيمة ومقدار ما يبذل وينفق من أموال وجهود على المشروعات التنموية والاقتصادية. إن الإعداد المتزايدة من طالبي العمل والخريجين كل عام، يتطلعون إلى أن توفر لهم الفرص الوظيفية الجاذبة، لكي تمكنهم من استغلال طاقاتهم وقدراتهم لخدمة وطنهم في كافة المجالات، وخصوصًا أن سوق العمل في بلادنا قادر على توفير فرص وظيفية ومهنية وتجارية عالية جدًا، ولكنها بحاجة إلى تحريرها من التوطين الوهمي أو المهن غير الجاذبة، في ظل سيطرة شريحة المقيمين على الوظائف ذات القيمة التنفيذية والمهنية والمالية، إضافة إلى الحلول المبتورة والعاجزة عن توفير فرص وظيفية محفزة للشباب، على الرغم من أن الجميع يدرك أبعاد وأسباب المشكلة، حيث إن معدلات البطالة ترتبط سلبًا أو إيجابًا بعدة عوامل ومتغيرات، منها: ما يتصل بالصورة الذهنية لدى الشباب عن بعض المهن والعمل في القطاع الخاص، وثقافة الإنتاج والعمل المهني والتجاري ومستوى الحوافز والأجور وتفاعل القطاع الخاص في استيعاب الخريجين وتوفير برامج التدريب والتأهل واستغلال الإمكانات والمقومات والمشروعات الاقتصادية والصناعية والتنموية للحد من معدلات البطالة وآثارها السلبية.
لا بد من توفر الأرقام والإحصاءات الدقيقة والموثوقة، عن الفرص الوظيفية المشغولة بمتعاقدين وخصوصًا تلك الفرص القيادية والتنفيذية ومسؤولي الإشراف والتسويق والإنتاج وغير ذلك من الوظائف التخصصية، مع إعداد الباحثين عن العمل والمتوقع تخرجهم وبكل شفافية، حتى يسهل التعامل مع موضوع نسب العاطلين عن العمل ومواجهتها بالإجراءات والبرامج والحلول الناجحة، من كافة الجهات ذات العلاقة، إضافة إلى توحيد الرؤية والتنسيق بين القطاع الخاص بكافة أنشطته، والجامعات والمعاهد والكليات التقنية، وسوق العمل والمتطلبات.
هناك آلاف الوظائف الطبية والهندسية والتقنية والقيادية التنفيذية وغيرها من المهن الأخرى مشغولة بوافدين، إضافة إلى أن قطاعات، مثل قطاع المقاولات، لتشييد المنازل والمجمعات السكنية والدوائر الحكومية، ومقرات المشروعات الاقتصادية والصناعية، وقطاع السياحة، وقطاع الزراعة والتنمية الريفية، والمناطق الصناعية والمدن الصناعية، قادرة على استيعاب كافة الباحثين عن العمل والخريجين، وعلى مدى سنوات قادمة. إن إجراءات التوطين وتطبيقاتها تواجه العديد من المشكلات، وفي مقدمتها غياب الهيكلة الفاعلة والمؤشرات الموثوقة، وكذلك ضعف المتابعة، والتهاون في تطبيق التعليمات، وقدرة أصحاب المؤسسات والشركات على اختراق التعليمات والالتفاف عليها وعدم الالتزام بها.
إن المتتبع للباحثين عن العمل يجد أنهم من فئة الشباب الواقعة ضمن دائرة خريجي الجامعات والكليات والمعاهد التقنية والمهنية، إضافة إلى خريجي الثانوية العامة، ممن لم تتح لهم فرصة الدراسة الجامعية. أما الفئات التي لا تمتلك التأهيل المناسب، أو محدودة المهارات والخبرات فإن معاناتهم أكبر. إن المؤشرات المستقبلية للنمو السكاني في تزايد كبير؛ مما يشكل مشكلة كبيرة، ما لم يصاحب هذه الزيادة خطط طموحة للاستفادة من مشروعات وبرامج ومبادرات الاقتصاد والتصنيع والاستثمار، مع إيجاد مسار للتدريب والتأهيل في مجالات العمل المطلوبة.
إن أبناء هذا الوطن على ثقة كبيرة بولاة الأمر -حفظهم الله- وحرصهم على تلمس احتياجات المواطن، وتذليل العقبات من أمامه، وتوفير فرص العمل له إضافة إلى حرص الدولة والمتمثل في إقرار عدد من القروض والبرامج والتسهيلات، لدفع الشباب إلى الانخراط في ميادين العمل.
لا شك أن توفير العمل للباحثين عنه من التحديات الكبيرة، لبناء الإنسان والاستفادة من طاقات شباب الوطن في مجالات عسكرية ومدنية وشركات ومؤسسات القطاع الخاص. إن برامج التوطين تحتاج إلى آليات أكثر فاعلية وبحلول يسهم الجميع فيها وفق إمكانات تنفيذية لإحلال أبناء الوطن في مرافق القطاع الخاص، وبرواتب وحوافز مجزية، حتى يحدث التوازن المطلوب في قوة العمل، ونخفف من معدلات البطالة، مع الحرص على تطبيق العقوبات وردع المخالفين وغير المتعاونين، وتطبيق الأنظمة والتعليمات لتوطين الوظائف والمهن. لا بد من خلق فرص استثمار في مناطق المملكة كافة، وخصوصًا تلك المناطق الأقل نموًا، التي تعاني من ارتفاع في معدلات البطالة، وكذلك أهمية دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والحرص على نجاحها، لأن في ذلك مساهمة فعالة في حل مشكلة البطالة، إضافة إلى بناء إستراتيجية وطنية للشباب، تعنى بالشباب وتوظيفهم وتدريبهم وتلمس احتياجاتهم الآنية والمستقبلية، ترتكز على رؤية شاملة ومتكاملة، ينبثق عنها العديد من البرامج والمبادئ لتنمية العنصر البشري، وتأصيل ثقافة العمل المهني والحرفي.