تتمثل رؤية 2030 في أن تصبح المملكة العربية السعودية بلدًا يهتم فيه الجميع بالرياضة باعتبارها مكونًا أساسيًّا من مكونات التنمية الاجتماعية لتعزيز التماسك المجتمعي، ومنح الشباب مهارات جديدة للحياة والعمل، والتنمية الصحية؛ ليعيش الجميع حياة أكثر نشاطًا وصحة، ومكملاً للسياسة الاقتصادية والاستثمار الأمثل للموارد والخبرات، ومحركًا لتحقيق الرؤية.
الأهداف المطلوبة من الرياضة في الوقت الراهن ومستقبلاً تختلف عن الدور المرجو من الرياضة قبل عشر أو حتى خمس سنوات ماضية؛ إذ أصبح النجاح في الرياضة ليس رهنًا على تحقيق ميدالية أو بطولة، على قدر تحقيق ركائز أساسية ترتبط بتنمية الفرد والتنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والرفاهية البدنية والرفاهية العقلية. وتعتبر هذه الركائز المؤشرات للمنظمات الدولية لقياس جودة حياة المجتمع ومستوى صحة ووعي الدول، التي بدورها تعتبر هي المفتاح لارتقاء المدن لتصبح ضمن قائمة الأفضل معيشة، وتضع الدولة ضمن مصاف الدول المتقدمة والمتحضرة.
تؤكد الرؤية الالتزام ودعم النجاح الرياضي في المشاركات كافة، القارية والدولية، والحضور الأولمبي والبارلمبي، والعناية بجميع الرياضيين. وتعي تمامًا مقدار القيمة والفرق الإيجابي الذي ستُحدثه الرياضة في حياة الناس والمجتمع، وحجم العائد الصحي والاقتصادي؛ فإنه من المتوقع أن ينمو قطاع الرعاية الصحية في المملكة العربية السعودية بمعدل نمو سنوي مركب قدره 12.3 % بحلول عام 2020 وفقًا لـ»ايون هيوت الاستشارية»، وأيضًا معالجة الرياضة للكثير من القضايا الفكرية والتعليمية والحلول للمشاكل الصحية. وإن الرياضة أكثر من مجرد أرقام؛ فهي على رأس قائمة أدوات السلام، والمؤثر الإيجابي في تهذيب وتقويم سلوكيات ومواقف الجيل الشاب، وتعزيز المعرفة والقيم الحسنة لديهم، وتُجنِّبهم الجريمة، وتقلل عوامل الخطر، وتزيد عوامل الحماية.
السعودية تمتلك المقدرات، ولديها القدرة لتكون وجهة رياضية دولية ومركزًا وعاصمة للرياضة. وهذا هو التوجه منذ إعلان الرؤية في عام 2016؛ إذ أطلقت المملكة مجموعة من المبادرات الوطنية التي تهدف إلى بناء مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ومتنوع، ووطن طموح ومتمكن؛ لينعم أفراده بحياة نشطة وصحية برفع نِسب الممارسين للرياضة إلى 40 % من سكان المملكة خلال العقد القادم عن طريق توعية المجتمع بأهمية الرياضة، والتشجيع على ممارسة الرياضة، وتجربة رياضات مختلفة ومتنوعة، التي سيكون لها لجان واتحادات أهلية منظمة لهذه الرياضات، وزيادة عدد الأندية والمراكز، وتحسين البنية التحتية الرياضية المناسبة والكافية، وإنشاء المرافق والملاعب المخصصة، وتمكين مختلف شرائح المجتمع من ممارسة رياضاتهم المفضلة في بيئة صحية ومثالية؛ إذ سيكون للمنشآت الرياضية حجم في جميع المشاريع السعودية الكبرى، مثل مشروع القدية ونيوم والبحر الأحمر ومشروع آمالا، وأيضًا المسار الرياضي في مدينة الرياض، التي ستمكِّن المملكة من استضافة أكبر الأحداث والبطولات الدولية. علمًا بأن المملكة موجودة الآن على الخارطة العالمية؛ إذ نجحت في استضافة مجموعة من الفعاليات والأحداث الرياضية البارزة خلال العامين الماضيين، مثل: (بطولة الجائزة الكبرى سباق الدرعية للفورمولا E، ورالي دكار الدولي، والمسابقات الكروية مثل: السوبر كلاسيكو بين منتخبَي البرازيل والأرجنتين، والكلاسيكو الإيطالي، والكلاسيكو الإسباني، وأساطير المصارعة الحرة WWE، وبطولة العالم للملاكمة في الوزن الثقيل، وكأس الدرعية للتنس، ومهرجان الدرعية للفروسية، وغيرها من الفعاليات والأنشطة الرياضية).
ولخلق بيئة منتجة وآمنة أطلقت مبادرات تهدف إلى توفير الدعم المالي، وخلق مسارات لتمويل الرياضة التي ستضع الأمور في نصابها الصحيح، وتعد إحدى الخطوات العملية في تنفيذ الرؤية في مجال الرياضة، التي ستُمكّن الشباب، وتعزز دورهم الرياضي والمجتمعي، وتمكّن الاتحادات والأندية الرياضية من تسخير إمكاناتهم لتقديم الأفضل والصالح للمجتمع وللدولة.
ومن أبرزها مبادرة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز بسداد ديون جميع الأندية الرياضية، وإنهاء جميع المتعلقات بالقضايا الخارجية والمستحقات الداخلية، وتقديم الدعم المالي للاتحاد السعودي لكرة القدم ولرابطة دوري المحترفين وللأندية الرياضية في جميع الدرجات، الذي سيسهم في تطوير المسابقات، ورعاية المواهب الرياضية، وتأمين الأدوات، وتجهيز المرافق والملاعب، التي من شأنها أن تحقق فوائد عدة للأندية في المجالات الاقتصادية والإدارية والتنظيمية، وتسهم في بناء اقتصاد رياضي فعّال ومؤثر ومحفز للنمو والإنتاجية.
وبالعودة إلى الركائز الأساسية، وكيف يمكن من خلال الرياضة تحقيق أهداف الرؤية المرتبطة بتنمية الفرد والمجتمع، وازدهار الاقتصاد، وتحقيق الرفاهية البدنية والعقلية للجميع.. ومن منطلق واقع المجتمع السعودي، وانخفاض معدل النشاط البدني في الحياة اليومية، وهي عوامل الخطر الصحي نفسها على الصعيد العالمي؛ إذ لم يعد هناك الكثير من الأعمال والمهام والوظائف التي تتطلب الجهد البدني المناسب للصحة، واتجاه الحياة إلى الخمول البدني الذي يعتبر أحد عوامل الخطر المسببة للأمراض، مثل: أمراض القلب والسكري وبعض أمراض السرطان وغيرها.. وإيمانًا بدور الرياضة والنشاط البدني في مواجهة الخطر والعديد من الآثار السلبية، وكأداة لتحقيق الرفاهية البدنية والعقلية والاجتماعية، ووفقًا لتعريف مفهوم «الصحة» الذي جاء في دستور منظمة الصحة العالمية أنه: «حالة من الرفاهية البدنية والعقلية والاجتماعية الكاملة، وليس مجرد غياب المرض أو العجز»؛ فعليه فإن التوجُّه هو استخدام الرياضة كأداة لرفع مستوى الوعي حول الأمراض المرتبطة بعدم أو قلة الحركة من خلال الحملات الصحية التي يدعمها الرياضيون والمسابقات الرياضية، والترويج بأهمية ممارسة الرياضة والنشاط البدني المنتظم، واستخدام الرياضة كأداة تعليمية، لإيصال المعلومات الحيوية المتعلقة بالصحة إلى المجموعات المعرضة للخطر، مثل: الأطفال الذين يعانون من السمنة أو السكري، وأيضًا استخدامها في فهم الفوائد الصحية وفي معالجة الاكتئاب والاضطرابات المرتبطة بالإجهاد والضغوط؛ إذ تسهم الرياضة في تحقيق أهداف الوقاية من مشاكل الصحة العقلية، وتحسين حياة من يعانون التوتر والقلق، ببناء علاقات قوية وإيجابية مع الآخرين، والمساهمة في التفاعل المجتمعي، والعمل بشكل إنتاجي وخلاق، والشعور بالرضا والتفاؤل واحترام الذات.
مع رؤية المملكة 2030 تحوَّل الاهتمام بالرياضة إلى اهتمام مؤسسي عبر مجموعة من الجهات والهيئات والمشاريع الوطنية؛ إذ تحظى بالدعم والمتابعة من القيادة الرشيدة للنهوض بالرياضة في الجوانب كافة، منها: تكريس الاهتمام بنشر الثقافة الرياضية لدى شرائح المجتمع كافة، وتمكين الجميع من ممارسة الرياضة للارتقاء بالمستوى الفني والحضور الدولي، وتحقيق المراكز المتقدمة، ورفع مستوى الأداء والكفاءة الإنتاجية، وتحقيق الاستدامة في المداخيل والعوائد المالية واستدامة الأداء الكفء والفعال.
** **
المأمون الشنقيطي - المدير التنفيذي لقطاع الرياضة بشركة «القدية» للاستثمار