نوف بنت عبدالله الحسين
على التقويم دوّنت موعداً خاصًّا لنفسي، بتاريخ 15 يناير، الساعة 6 مساءً، وحين أتى اليوم، توجّهت إلى حكايا مليئة بالألوان وقصص الفرشاة وأرشيف كبير من حكايا تنقذ صالة شارفت على الاحتضار، لتأتي اللمسة السحريّة من مسك، وتعيد وهج الماضي بصورة الحاضر، تماماً كما يحدث مع الأساطير.
وقبل أن تدخل، تتصفّح تاريخاً لبدايات مذهلة، لتجد قصص الماضي الجميل، وذلك الزمن الذي صاغ أجمل حكايا، لروّاد حملوا راية الفن، وحفروا بألوانهم ورؤاهم وفلسفتهم، ليكون هذا العصر شاهداً على أجمل سني المعرض، في صالة الأمير فيصل بن فهد، رحمه الله.
وهنا عاد المعرض، وبعث حيّاً من مرقده بروح جديدة، لكنه حافظ على أهم سمة، سمة البناء الذي شيدوا أسسه الروّاد، لتدخل في دهاليز جميلة، تتنقل بين اللوحات وقصصها، وتبرق عينك وربما تدمع حين تشاهد توقيع فنّان على لوحته المعروضة، وتحمد الله أن مارس شغفه وتابع رسالته لتصل إلى هذا العصر.
ثم تجد الأجمل من ذلك وجود لغة تقنية جميلة، كلمسة مميّزة في الصالة، وتلاحق حكايا مسك من حيث بداية القصة، تجد أجمل ما يكون، وأروع ما يمكن وأحلى ما يصاغ على حائط الصالة، تصعد وتنزل، وتصافح اللوحات، وتتأمّل المعاني، وتبتسم داخلك سعادة وفخراً...
ثم تدخل في ذلك المكعب الصغير، لترى فيلماً وثائقيّاً، ترى محمد السليم حين عرضت أعماله في فلورنسا بداية الثمانينات الميلادية، ومن ثم قصة الملهمة صفية بن زقر، وكيف أن هؤلاء الروّاد هم سفراء الجمال في بلادي.
ولطالما حضرت للصالة في سابق الزمان، وأعرف تفاصيل شكلها، وبعضاً من قصصها، لكن الأجمل والأروع، أن أراها الآن وكأنني أراها لأول مرة، مليئة بالحياة، مليئة بالألوان، مليئة بالفخر والاعتزاز...
(حكايا مكان) حيث كل شيء ينطق ويتحدث ويروي قصصاً تسمعها بروحك دون صوت، تنصت لهمسات لونية، تحمل معها تاريخاً من الإبداع والتألق، في أبديّة الفن الذي لا يمكن أن يموت.
الفن ذائقة متجددة، وروح متوقّدة، ورحلة مدهشة، ولغة تفهمها كما تشاء وكيفما تشاء وقت ما تشاء.
ولا يمكن أن نستكشف ذلك دون وجود صالات تترجم لنا هذه اللغة، ولذلك احتفظ المكان بأجمل بحكايا زمن مضى، ليرويها لنا من جديد مبادرة عظيمة وأنيقة وتستحق التقدير،كما تعوّدنا دوماً مسك بمفاجآت لا تنتهي.
وأظن ذلك أجمل مع مسك وحكاياها التي لا سقف يسعها ولا فضاء يحتويها سوى دهشة تعترينا في كل مرة، لنترقب ونرى من جديد ما الذي ينتظرنا معها في حكايا جديدة.