سمر المقرن
سوء الظن قنابل مفخخة في نفوس الناس، وعدم الحذر ألغام مزروعة فيها! فالتوازن جميل ومريح فلا يسيء الظن ولا يصبح من أصحاب الغفلة فالأولى مُهلكة والثانية مُدمرة.
فإذا مررت عليك ولم أسلم، وإذا وجدت شابًا مفتول العضلات يفطر في رمضان، وإذا اتصلت بك هاتفيًا ولم ترد، وإذا استمعت إلى قصة شجار من أحد الطرفين فقط، فإياك وسوء الظن وعليك أن تلتمس الأعذار لأصحابها، فربما من ألقيت عليه السلام لم يسمعك، وربما مفتول العضلات يمنعه مرضه من الصيام وأنت لا تعلم ما به فلا يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور إلا الله، وربما من اتصلت به لم يشاهد الرقم أو لم يجدد باقته أو حتى ليس لديه مزاج للرد على أحد، وإذا استمعت لطرف واحد في الشجار لا تصدر أحكامك قبل أن تستمع للطرف الآخر. فالملايين قد يقعون ضحايا سوء الظن وإن بعض الظن إثم. فمن يقوم بإعداد طبخة يجب أن يصبر عليها حتى تنضج ولا يتسرع في إنزالها من على النار، وهكذا لا تكن أهوج فسوء الظن يساعد الشياطين في قتل النفوس وهدم البيوت. ولا تجعل نفسك في مواطن الشبهة ومصاحبة الأشرار فيساء الظن بك.
وفي ذات الوقت لا يجب أن يترك الإنسان الحذر فيسهل خداعه، لأن حسن النية المطلق يمكن أن يؤدي إلى الغفلة، فالتفكير ووزن الأمور مهمان تفاديًا للوقوع في مشكلات ومصائب كثيرة، أو أن تقع ضحية حسن النية المفرط والانبهار بالكلام المعسول أو عند شخص يقسم بأغلظ الإيمان أو حتى يحلف بـ»الطلاق» وهو كاذب ماكر شرير.
الحياة والتجارب هي من تصل بنا إلى الفطنة والكياسة في التعامل مع أي شخص حتى لو نعرفه منذ سنوات، فما يدرينا - أحيانًا- أنه منافق بضاعته الكلام الحلو وتجارته اصطياد أصحاب النوايا الحسنة المفرطة، الحذر مهم بلا إساءة الظن. وكما قال الشاعر: (عرفت الشر لا لشر ولكن لتوقيه.. فمن لا يعرف الشر حريٌ أن يقع فيه).
وفي نفس الوارد، أذكر مثالين حزنت لهما كثيرا، الأول: لفتاة وقعت ضحية سوء الظن بها عندما وجد رجل من بلد عربي شقيق بطن ابنته ينتفخ فظن أنها حملت سفاحًا ولكنها أنكرت بدموع العين فلم يصدقها الأب وأصدر حكمه بذبحها وإزهاق روحها وللأسف نفذ جريمته ليتضح بعد أن قضي الأمر على يد الطبيب الشرعي أن رحمها كان به ورما ليفيا وليس حملاً فمات الأب بعدها كمدًا على جريمته وسوء ظنه! ومثال آخر: لأناس في نفس البلد العربي الشقيق وقعوا ضحايا لصاحب شركة يتاجر بالدين مرتديًا مسوح التقوى والورع فأعطوه أموالهم ليستثمرها لهم ولكنه هرب بالمال ودفنهم في محيط أحزانهم. وقانا الله وإياكم من قنابل سوء الظن وألغام عدم الحذر!