علي الخزيم
مع ارتفاع حرارة الأجواء صيفًا، وصعود درجتها إلى أرقام مقلقة، ترتفع معها درجة اهتمامنا بوسائل تكييف الهواء وصيانتها؛ لتعطينا مزيدًا من مكرماتها بتلطيف الجو؛ لننعم بأوقات أفضل. حينذاك يلتفت الكثير منا إلى أحوال ومآلات الطيور، وبعض الحيوانات المستأنسة حولنا ببيئتنا؛ فنرأف بحالها؛ ونبادر بجلب أحواض الماء والطعام المناسب لها بتلك الأجواء، ونحرص على أن تكون في الظل ما أمكن.
وأرى أن فصل الشتاء قارس البرد يشكِّل سببًا وجيهًا لهذه الطيور والحيوانات لتعبِّر عن قلقها وألمها، وأن تتجه للإنسان بما وهبه الله من قدرات تفوق ما لديها من إمكانات؛ ليفعل ما بوسعه لحمايتها من الزمهرير والأمطار. وممن استجاب لهذه النداءات اللطيفة بلدية محافظة الخبر بالشرقية؛ فقد جهَّزت أكثر من 200 بيت للعصافير، ورفعتها على الأشجار بالواجهة البحرية والحدائق العامة والمتنزهات لتأمين المأوى للعصافير الطيبة خلال فصل الشتاء وبرودة الطقس وعند هطول الأمطار.
هي فكرة ومبادرة طيبة جميلة، يقدمها الإنسان لهذه الكائنات الرقيقة الشفافة التي لن تنسى هذا الجميل، وستقدم أعذب الألحان وأطرب التغريدات مع سويعات الفجر، وفي المساء أناشيد شجية متجددة، وتسابيح لا نفقه ترجمتها غير أننا نعي مضامينها، ونردد معها سبحان الله وبحمده!
ولا أعرف إن كان بيننا مَن فكّر بمبادرة لإيواء القطط السائبة رحمةً بها بكل الفصول، وللحد من تلويثها البيئة، وحشدها بقدر الإمكان بأماكن محددة مخصصة لها.. ويمكن الحد من تكاثرها بالوسائل المعروفة بيطريًّا.
إن كانت هذه مبادراتنا الطيبة تجاه الطيور والحيوانات فالمأمول أن تكون مبادراتنا تجاه إخواننا البشر أقوى وأعم؛ فكما أن بالصيف الفقير والأرملة العاجزة والأيتام، الذين يتمنون الماء والهواء البارد؛ ويتخيلون فاكهة الصيف ولا يدركونها، فاعلم أنهم كذلك بالشتاء؛ تتوق أنفسهم لوجبة دافئة، ولغطاء ضافٍ. واعلم - رعاك الله - أنهم كلما مروا داخل الحي، والتقطت حاسة الشم عندهم رائحة وقود حطب التدفئة بملاحق بعض المنازل، فإنها لحظات من اليأس والرجاء والمسكنة؛ فهم قاصرون عن نيل هذا التنعم، ويأملون بالوقت نفسه أن تلتفت لهم أعين رحيمة بتعويضهم بالملابس والأغطية، وتمنعهم أنفسهم الزكية المتعففة عن الإفصاح عما بدواخلهم؛ فليس لهم حينها إلا رفع أبصارهم إلى السماء، ودعوة الكريم المتفضل سبحانه أن يسخِّر لهم من خلقه مَن يستشعر حالهم، ويرفق بهم، ويتلطف بما تجود به يداه وقلبه الرحيم بهذه المواسم المواتية المناسبة جدًّا للاستكثار من الخير، وتثقيل الموازين بالعمل الصالح.
الكل يحب الخير والتقرب إلى الله سبحانه، ويتحدث عن هذه الأعمال الجليلة، لكننا ربما نستصعب تنفيذها، أو نجهل كيفية الوصول للمحتاجين، ولاسيما المتعففون. وأقول إن حولنا متطوعين ثقات، بتراخيص معتبرة من الجنسين، يجتهدون ـ لا حرمهم الله أجر ما يصنعون ـ في التعرف على المحتاجين بطرق لطيفة غير جارحة للمشاعر، ويسجِّلون احتياجات كل أسرة، ولهم عناوين على وسائل التواصل الاجتماعي لإيصال التبرعات والصدقات المادية والعينية للمستحقين، ويبلِّغون المتبرع بذلك.
رحم الله مَن مسح دمعة يتيم، وواسى أرملة أو فقيرًا.. فهبُّوا للمكارم؛ أنتم أهلها.