م. خالد إبراهيم الحجي
الرأس المال البشري مصطلحٌ حديثٌ ظهر في نهاية الستينات من القرن الثامن عشر، وتتجسد فيه الركائز التالية: الصحة والتعليم، والقوى العاملة، وبيئة العمل المواتية، ورصيد العادات الاجتماعية والسمات الشخصية (بما في ذلك الإبداعات)، والأشياء الأخرى التي يمكن تقديرها مثل الولاء والانضباط في العمل، والالتزام بالمواعيد، والقدرة على أداء وإنجاز الأعمال لإنتاج القيم الاقتصادية، كما تتجسد فيه القيم الاقتصادية للإمكانات البشرية الكامنة وقدراتها المحتملة.. والرأسمال البشري مثل أي نوع آخر من رؤوس الأموال يمكن أن يُستخدم بكفاءة أكثر لتحقيق التحسينات في جودة الإنتاج وزيادة الكميات، وهذا ما أكده آدم سميث في كتابه (ثروات الدول) عندما قال: إن التحسينات التي أدخلت على الرأسمال البشري من خلال التعليم المستمر، والتدريبات المهنية المتواصلة، والتجارب العملية السليمة، والخبرات المتراكمة تجعل الدول التي تتبناها أكثر ربحية، وتُمكنها من زيادة ثرواتها المشتركة لمجتمعاتها.. والعلاقة وثيقة وقوية جداً بين الرأسمال البشري والنمو الاقتصادي، وهذا ما أكدته نظرية النمو الجديدة التي ذكرها كل من لوكاس ورومر عام 1990م، عندما قالا: إن البحوث العلمية والتطويرات التكنولوجية أهم محركات النمو الاقتصادي، والرأسمال البشري أهم محدداته ومقرراته حيث يمثل عاملاً رئيساً للحد من معدلات الفقر في العديد من الدول، ومصدراً رئيساً لزيادة العائدات المالية والتنمية الاقتصادية، والتباعد في معدلات النمو الاقتصادي بين الدول المتأخرة وبين الدول المتقدمة.. والرأسمال البشري ليس محصنًا من الاستهلاك، وتناقص قيمته الأساسية التي غالبًا تظهر للعيان، ويتم قياسها في الأجور أو القدرة على البقاء في أسواق العمل. وتتمثل أكثر الطرق شيوعًا لصور الاستهلاك وانخفاض قدراته العملية، وكفاءاته الوظيفية، وقيمته الاقتصادية في البطالة أو الإصابات الجسدية أو العجز في مواكبة الابتكارات، مثل: الموظفين أصحاب المهارات المتخصصة الذين أمضوا فترات بطالة طويلة، أو فقدوا الاحتفاظ بمستوياتهم الاحترافية في تخصصاتهم المهنية.. والقيمة الاقتصادية للرأسمال البشري لشعوب دول العالم قد تنخفض إذا لم يطوروا أنفسهم في المجالات التقنية المختلفة لتواكب متطلبات العصر الحديث؛ لذلك فإن تحقيق النتائج التحويلية والتنمية الاقتصادية في المستقبل يعتمد على الاستثمارات الصحيحة في الرأسمال البري من خلال النظرة الشاملة للفترة العمرية لجيل كامل، ابتداءً من التعليم المبكر وحتى التعليم المستمر مدى الحياة.. وحسب تقرير البنك الدولي عن الرأسمال البشري، فإن تحديات تطوير الرأسمال البشري لبعض الدول تبدأ من قاعدة الهرم السكاني، مثل: باكستان التي تقتصر فيها فرص دخول الأطفال لمدارس رياض الأطفال على نسبة 70 % فقط، وفرص حصولهم على الثانوية العامة على 35 % فقط، وفرص حصولهم على التعليم الجامعي على 8 % فقط. وتقل هذه الفرص للأطفال الإناث. وهذه الخسائر المقدرة لفرد واحد فقط، وإذا تم احتسابها لمليون فرد أو أكثر فإن الخسائر تصبح هائلة على كامل المجتمع الباكستاني. كما نجد على قمة الهرم السكاني تحديات لدول لها باع طويل في تنمية الرأسمال البشري بدأت منذ عدة عقود طويلة، مثل تحديات البطالة في إسبانيا التي وصلت إلى نسبة 14 %، وأكثر منها اليونان بنسبة 18 % لعام 2019م.. وتأتي أهمية الاستثمارات الصحيحة في الرأسمال البشري لسببين: إحداها: ندرة المواهب في جميع أنحاء دول العالم، فعلى الرغم من ارتفاع معدلات البطالة في أجزاء معينة منه، إلا أن دول العالم قاطبة ستواجه فعليًا أزمة في المواهب الماهرة، لذلك سيكون من المهم لكل دولة فهم وتدبر كيفية الحصول عليها في المستقبل. والسبب الثاني: الديناميكية السكانية: حيث تواجه بعض الدول مثل اليابان تحديات الشيخوخة السكانية السريعة، وتناقص تدريجي في أجيال المواهب الماهرة من الشباب، في حين أن هناك دولاً أخرى بها أعداد كبيرة من الشباب بإمكانات كامنة وقدرات محتملة. لذلك من الأهمية بمكان أن تعرف أين تقف الدول الطموحة اليوم لتتمكن من الاستثمار في تنمية القدرات البشرية التي تواكب مستجدات العصر الحديث، ومتطلباته، وتتواءم مع احتياجات التنمية وأسواق العمل المحلي والعالمي المتسارعة، والمتجددة، ومتطلبات الثورة الصناعية الرابعة.
الخلاصة:
إن الرأسمال البشري هو أحد الأصول الاقتصادية الرئيسة غير الملموسة مباشرة، لذلك يتم دائماً الخلط بينه وبين تكلفة القوى العاملة التي يتم اعتمادها في الميزانيات العامة لتغطية الرواتب والأجور.