فضل بن سعد البوعينين
لا خير في تنمية لا تنعكس ابتداءً على الإِنسان، وبيئته الحاضنة؛ وأجزم أن الفلسفة المجتمعية، والاهتمام بمكونات البيئة الحاضنة، التي تتبناها الهيئة الملكية لمحافظة العُلا تُعزز العلاقة المجتمعية والانعكاس الإيجابي الثري على محيطها المكاني. وفي المقابل نجد أن هناك تجارب تنموية سابقة انسلخت عن بيئتها الحاضنة؛ وأضرب مثالاً بالهيئة الملكية للجبيل وينبع حيث الفصل المجتمعي بينها وبين بيئة محافظة؛ الجبيل الحاضنة لمدينتها الصناعية؛ ما تسبب في ظهور فجوات تنموية صارخة بين المدينة الصناعية ومدينة الجبيل، أو ما أطلق عليها تجاوزًا وإمعانًا في التفرقة، «البلد».
الأمر عينه ينطبق على مدينة ينبع البلد، وربما جازان؛ مستقبلاً ما لم يُستدرك أمرها.
تباين في التنمية وجودة الحياة والخدمات وقصور في المساهمة المجتمعية وأفضلية التوظيف والتعليم الجامعي والاستفادة من الخدمات الصحية؛ وتجاهل لحقوق سكان البيئة الحاضنة المتضررين من وجودهم تحت مداخن مصانع البتروكيماويات ومخاطرها المحدقة.
على النقيض من تشريع هيئة الجُبيل وينبع المتسبب في الفصل التنموي والمجتمعي، برزت تجربة الهيئة الملكية لمحافظة العُلا التي بدأت على أسس مجتمعية هدفها تنمية المحافظة، وتحقيق التنمية المجتمعية في جميع المجالات وفي مقدمها التعليم والتوظيف.
فمنذ إنشاء هيئة العُلا، وهدفها الرئيس تنمية المحافظة اعتمادًا على الإرث الثقافي والتراثي، والتركيز على سكان المُحافظة ليكونوا محورًا للتنمية والأكثر استفادة من برامجها ومشروعاتها المهمة.
أجزم أن الفلسفة التنموية التي خطها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان باتت أكثر جُرأة وتحقيقًا لتنمية المكان والإنسان المرتبط به، لذا جاء التعامل مع المحافظة كموقع جغرافي شامل مستهدف بالتنمية والتطوير.
الأمير بدر بن عبدالله بن محمد بن فرحان وزير الثقافة، محافظ الهيئة الملكية لمحافظة العلا أكَّد «أن الهيئة تعمل يدًا بيد مع مجتمع العلا الذي يمثل الشريك الرئيس في كل ما تقوم به الهيئة من جهود لتطوير المحافظة».
الأكيد أن كل مشروع إستراتيجي يصب في مصلحة الوطن، ويحق لكل مواطن بغض النظر عن موقع سكناه، الاستنفاع به، غير أن القائمين على تنمية وإدارة المحافظات يفترض أن يأخذوا في الحسبان مبدأ «الأقربون أولى بالمعروف».
أعتقد أن مستهدفات رؤية العلا التي بنيت على قاعدتين أساسيتين ركزت الأولى على استثمار المقومات التراثية وفق منظور عالمي، واهتمت الثانية بالمحافظة على طبيعة «العلا» وبيئتها الجميلة، واستثمارها بشكل إيجابي يعزز الأهداف الإستراتيجية ويحمي المكونات الطبيعية؛ إضافة إلى تركيز الرؤية على تنمية المكان والسكان في آن، من خلال برنامج «المجتمع المحلي» الذي يركز على تنمية السكان وتعليمهم وتوفير الوظائف لهم، وأحسب أن ابتعاث ما يقرب من 330 شابًا وفتاةً من أهالي المحافظة، وخلق 2500 وظيفة للحماية البيئية، وتوفير ما يقرب من 1000 منحة تعليمية هو ترسيخ لمبدأ العدالة التنموية التي يجب أن يكون انعكاسها الأول على سكان المحافظة.
أرجو أن تُطبق فلسفة الهيئة الملكية لمحافظة العُلا ومشاركتها المجتمعية، على باقي الهيئات الملكية، وفي مقدمها هيئة الجبيل، التي أهملت مسؤولياتها المجتمعية في غفلة من المُشرع والنظام والمجتمع.