د. حسن بن فهد الهويمل
لم ينقدح هذا العنوان من ذهني, ولكنه بعض تغريدة تتعقب تغريدتي التي توازن بين الإرضاء, والترضِّي, التي قلت فيها:- من حاول إرضاء، كل الناس, أسخطهم جميعاً.
الموقف النبيل لا يصنعه التملق, والاسترضاء. سمعتُ أحدهم يباهي باحتواء كل الأطراف, وإرضاء كل الخصوم, والقبول بالشيء, ونقيضه.
أنا مع البراعة في صناعة الأصدقاء, وتحييد الأعداء, ولكن ليس على حساب الكرامة, والمواقف, والمبادئ.
هناك تواضع, وهناك ضعة:-
(مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إيْلامُ).
الإحساس الحِسِّي يقي الأجساد, وإن آلمها. والإحساس المعنوي, أهم من الحِسِّي. هناك ضمائر, ومواقف لا مزايدة عليها:-
(وما انْتِفَاعُ أخِي الدنيا بناظِره... إذا استوت عنده الأنوار والظلم)
الحياة مغالبة؛ راحتك, وسعادتك, وأمنك, وقوتك لا تسعى إليك, وهي صاغرة, بل تسعى إليها وأنت بين الرجاء, واليأس, بل بين الحياة, والموت.
لا بد أن تبحث عن الطريق, وتسعى إلى الهدف, الطرق كلها محفوفة بالمخاطر:-
(ومَنْ رَعَى غَنَماً فِي أرْضِ مَسْبَعة... وَنَامَ عَنْها تَولَّى رَعْيَها الأسدُ)
أشياؤك, طموحاتك, آمالك قطيع سائمةٍ في أرْضٍ فلاة؛ لا بد أن تكون راعياً ذكياً حذراً, ترود بحذر, وتحمي الساقة بوعي. ومن ثم فإن (منهج السلامة) لا يسلكه إلا الضعفاء السلبيون, الاتكاليون. الأحرار الأشداء لا تمتد أيديهم للأخذ, بل تمتد للعطاء:-
(اليدُ العُليا خَيْرٌ من اليَدِ السُّفْلَى).
(فَامْنَع نَوالَكَ عَنَ أَخِيك مُكَرَّماً... فاللَّيْثُ ليس يَسِيغ إلا مَا افْتَرس)
(عبدالرحمن بن عوف) الصحابي الثري المهاجر لم يقبل بالمؤاخاة التي شرعها الرسول بين المهاجرين والأنصار, بل قال للأنصاري:- «بارك الله لك بمالك, وأهلك. دلوني على السوق». وانطلق ليضارب بصدق, ونزاهة, ويكون من كبار الأثرياء.
إننا بحاجة إلى (سلامة المنهج), لا إلى (منهج السلامة).
كثيرٌ من المندفعين لا يُنقُّون مناهجهم؛ فيقعون في درك الشقاء. المسلم مطالب بالدعاء:- {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيم}.
كم من صراط معوج, كُلُّه ضلال؛ والدليل على أن كثيراً من المناهج غير سليمة مذاهب المتطرفين, والمبطلين, والجاهلين الذين أهلكوا الحرث, والنسل.
لقد مُنيت الأمة بمتكلين, سلبيين, ولسان حالهم يقول:- {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُون}. وهؤلاء يفضلون (منهج السلامة) على (سلامة المنهج).
الحياة صراع, وبدونه تنتهي, وتذبل أشياؤها.
مهمة العقلاء المجربين ترشيد الصراع, والجدل من أجل الحق, وإعلاء كلمة الله:- {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}.
آلة الصراع: لسان, وسنان.
لقد بُعِث الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالكلمة, وأُذن له بالجهاد, وحين لحق بالرفيق الأعلى توقَّف جهاده بالسنان, وبقيت الكلمة التي أوحى بها الله تمثل الجهاد الأكبر:- {وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}.
لو أحسنت الأمة مناهجها وآلياتها لما هانت, ولما ذهبت ريحها.
خطأ المنهج, ومنهج السلامة سيان؛ لا بد من التحرف, وأخذ الأمور بالعلم, والتجربة, والحكمة, والأناة, وتوقي الصدام ما أمكن ذلك.
هناك خلاف, وهناك اختلاف. فما قام على الأثرة, والإقصاء, ومصادرة الحقوق, فهو خلاف. وما قام على الإيثار, والاحتواء, ونشدان الحق فهو اختلاف.
إذاً سلامة المنهج هي المنهج السليم؛ فواجبنا الاستقامة كما أمرنا, لا كما أردنا:-
(حُبُّ السَّلامَةِ يَثْنِي عَزْمَ صَاحِبِهِ... عَنْ المَعَالِي ويُغْرِي المَرْءَ بِالكسَلِ)
لا تكن مغامراً, ولا متردداً:- (فإن فساد الرَّأي أن تترددا), واتخذ بين ذلك سبيلاً.
الحياة صراع, و(إن لَمْ تَكُنْ ذِئْباً أكلَتْكَ الكِلابُ).