أ.د.عثمان بن صالح العامر
منذ سنوات وصوت العقل السعودي المستشعر وجوب رعاية النعم، والمحافظة عليها، خوفًا من زوالها، وطمعًا في إكرامها، يطالب بإيجاد حل جذري (لفائض الولائم) التي قد يكون مصيرها -للأسف الشديد- حاويات النفايات، وملتقى الطرقات؛ إذ إن هذا السلوك لا يليق بنا نحن المجتمع المسلم، ولا ينسجم مع قيمنا وأخلاقياتنا التي ندين لله بها، ولا يتوافق مع أعرافنا وعاداتنا التي ورثناها كابرًا عن كابر؛ فشرعنا الحنيف حذَّرنا من كفران النِّعم، وأبان لنا مغبة عدم شكر المُنعم عليها -كما هو معلوم-، والآباء والأجداد ربونا على عدم الإسراف والتبذير. يعلو هذا الصوت العقلاني الرشيد ويرتفع في الإجازات، وحين الاحتفالات والمناسبات حيث تكثر الزواجات والأفراح التي طابعها العام -للأسف الشديد- الإسراف والبذخ، والتفاخر والتكاثر الذي ما أنزل الله به من سلطان.
يوم الجمعة الماضي غرَّدت وزارة الشؤون البلدية والقروية عبر حسابها (تويتر) قائلة إن معالي الوزير المكلف الدكتور ماجد بن عبد الله القصبي أصدر توجيهه للأمانات في جميع مناطق المملكة، القاضي بـ(وجوب تعاقد المطاعم وقصور الأفراح مع جمعيات حفظ النعمة تجنبًا للإسراف والتبذير في الطعام ورمي بقية الأطعمة على قارعة الطرق، ومحافظة على ما تبقى من موائد المناسبات الخاصة والعامة، على أن تقوم هذه الجمعيات المتخصصة بدورها المأمول منها في إيصال هذه النعم للمحتاجين).
لم يقف الخبر عند الجهات المعنية بتنفيذه بل تناقله الناس العقلاء المدركون أهمية مثل هذه الأخبار المفصلية التي تصبُّ في النهاية في خانة المصلحة العامة، فرحين به مستبشرين؛ فهو يدخل في صلب (باب شكر النعم)، ويشارك مشاركة فعلية في سد حاجة الفقير والمسكين الذي ينتظر من يطرق عليه بابه ليعطيه ما تجود به نفسه، فضلاً عن أنه يعد خطوة متقدمة في معالجة مشكلاتنا المجتمعية التي كثر الحديث عنها الأعوام السابقة، ومن بينها (فائض الولائم) كما هو معلوم؛ إذ تتشارك قطاعات التنمية الثلاث (الحكومي ممثلاً بالأمانات في مدن ومحافظات المملكة، والأهلي الخيري «جمعيات حفظ النعم»، والقطاع الخاص الذي ينتظر منه دعم هذه الجمعيات، والمشاركة في تأسيس جمعيات مماثلة في بقية مدن المملكة).
إن المتفحص في مضامين رؤية المملكة 2030 يلحظ بجلاء التشاركية والتفاعل الدائم بين أضلاع مثلث الوطن التنموي (الحكومي والخاص والأهلي)، وهذا ما عكسه معالي الوزير تطبيقًا عمليًّا من خلال توجيهه الكريم الذي إن التزمت بتطبيقه المطاعم والقصور، إضافة إلى الفنادق والدور التابعة للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وكان من الجهات الرسمية المتابعة والمحاسبة، فسيكون لنا شرف الشكر للمُنعم -عز وجل-، وسنحافظ على ما مَنّ الله به علينا في هذه البلاد المباركة من خير عميم، وفضل كبير؛ فالشكر سبب لدوام النعم بإذن الله.
بقي أن أشير إلى أن هذا لا يعني أنه لم يكن ثمة جهود سابقة فردية ومؤسساتية خيرية وأهلية في جميع مناطق بلادنا الغالية المباركة قدمت ما في وسعها حرصًا منها على ضمان بقاء النعم، ووقاية للمجتمع من ويلات كفرها؛ فلهم الشكر والثناء والتقدير. والشكر موصول لمعالي الدكتور ماجد، ولمن يبذل ماله ووقته وجهده في مضمار الخير، سواء في جمعيات حفظ النعم أو غيرها من الجمعيات الخيرية التي تحظى بالدعم والتحفيز المادي والمعنوي من لدن مقام مولاي خادم الحرمين الشريفين وسيدي ولي العهد الأمين. حفظ الله لنا قادتنا، وأدام عزنا، ورزقنا جميعًا شكر ربنا. ودمت عزيزًا يا وطني. وإلى لقاء. والسلام.