د. محمد بن يحيى الفال
بادئ ذي بدء، وعند الحديث عن الأمن، فالذاكرة بشكل تلقائي تربطه بالاهتمام الذي توليه له قيادة بلادنا الحبيبة المتمثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظهما الله ورعاهما- اللذين يؤكدان دومًا، وفي العديد من المناسبات، أهمية الأمن لاستقرار الدول، وأنه لا يمكن لأي تنمية أن تتم وتأخذ مجراها الطبيعي في النمو وعلى الوجه الصحيح بغياب الأمن. هذا الاهتمام بأمن الوطن والمواطن تبذل له الدولة في ميزانية كل عام مليارات الريالات لجعله واقعًا محسوسًا، يستشعره المواطن والمقيم وزوار بيت الله الحرام والمسجد النبوي، وكل من يزور بلادنا الغالية. ومن نافلة القول الذي يتفق على صحته الكثيرون أن الذين يعملون في الجهات الحكومية من وزارات وهيئات ومؤسسات في مهنة «السكيورتي» تقدَّم لهم رواتب ومميزات إن لم تكن كافية -في وجهة نظر البعض- فهي قطعًا توفر لهم حياة كريمة، تُشعرهم بالأمان الوظيفي من حوافز ودورات ومكافآت واستقطاعات تقاعدية، بيد أن المشكلة المتعلقة بظروف عمل العاملين في مهنة الأمن «السكيورتي» نراها جلية في العديد من شركات القطاع الخاص التي توظفهم بعقود وظروف تحتاج لإعادة النظر فيها، ووضع القوانين التي تنصف الجميع، سواء العاملون أو مشغلوهم.
وبالكاد نجد هناك عائلة على امتداد وطننا الغالي ليس لأحد من أفرادها أو أقاربها، أو في أضيق الأحوال أحد من معارفها، مَن لم يعمل أو لا يزال يعمل في المهنة التي يطلق عليها «السكيورتي». المهنة التي أخذت مسماها لسبب غير معروف من الكلمة الإنجليزية «Security»، التي تعني «أمن». ولعل السبب في شهرتها بالمسمى الإنجليزي وليس العربي مرده هو تفريقها عن مهنة الأمن الرسمية الحكومية. على كل حال، فمربط الفرس هنا ليس أصول التسمية، بل هو المفاهيم التي يحملها الكثير من أفراد المجتمع عن هذه المهنة، وكذلك الظروف التي يعيشها المنتسبون والعاملون فيها، التي تحتاج لوقفة جادة من قِبل الجهات المعنية من أجل إنصافهم بالشكل الذي يتناسب مع ظروف العمل التي يعملون من خلالها، من ساعات عمل طويلة، ونوبات عمل متغيرة (صباحية وليلية)، والعمل في الكثير من الأحيان في ظروف مناخية صعبة، سواء كان ذلك صيفًا أو شتاء.
من المفاهيم الخاطئة التي يحملها البعض عن مهنة السكيورتي هو أنها مهنة ذات طبيعة عمل غير واضحة؛ وذلك لكون أفرادها في الغالب لا مكاتب لهم، وهو الأمر الذي ترسخ في الخيال الشعبي، وإن بدأ في التغيُّر، وهو أن الوظيفة مرتبطة بالمكتب؛ فمن لا مكتب له فوظيفته محل تساؤل وشك لدى العديد من أفراد مجتمعنا.. لكن بتدقيق النظر في الجهد اليومي الذي يقوم به العاملون والعاملات في مهنة السكيورتي سنجد أنه جهد مضاعف مقارنة بالكثير ممن يعملون في المكاتب وتحت أجهزة التكييف، وبالكاد ينجزون في اليوم عملاً يُذكر، في بطالة مقنَّعة، هي في ازدياد في العديد من أماكن العمل. يعتقد البعض، والذين يعيشون في أبراج عاجية، أن مهنة السكيورتي هي مهنة الذين لم يحصلوا على تعليم كافٍ، وغير قادرين على مواصلة التعليم. وهذا المفهوم لسوء الحظ غير حقيقي جملة وتفصيلاً، ومن أكذب المفاهيم التي يحاول البعض إلصاقها بالمهنة. والحقيقة هي أن هناك غالبية من العاملين في مهنة السكيورتي هم في الحقيقة لا ينقصهم لا الذكاء ولا الفطنة مطلقًا، والمقدرة المميزة على التعليم والتحصيل والتحليل.. فالعمل في المجال الأمني يحتاج للكثير من الفطنة والذكاء الفطري المتوقد القادر على التمييز للوصول للقرار السليم وبسرعة، وغالبيتهم لم يكملوا تعليمهم لظروف خاصة، تختلف من شخص لآخر، ويمكن التغلب عليها بسهولة، وذلك بإعطائهم فرصة أخرى للقيام بإكمال تعليمهم، وسوف نرى نتائج مبهرة.
من المفاهيم الخاطئة كذلك التي يجب تصحيحها عن العاملين في مهنة السكيورتي هو سهولة الحصول على الوظيفة. وهو أمر يخالف الواقع؛ لكونهم لا يحصلون على وظائفهم إلا بعد تدقيق أمني مكثف، وفحوصات متعددة للتأكد من أنهم على قدر المسؤولية التي سوف يتولون مهامها.
بعد التطرق لعدد من المفاهيم الخاطئة عن مهنة السكيورتي فإن المهنة في حاجة ماسة إلى عدد من الخطوات لتحسين ظروف العاملين والعاملات بها. ولعل أهم هذه الخطوات هو تحسين بيئة العمل التي يعملون فيها، وذلك من خلال محورين رئيسين، هما من اختصاص وزارة العمل والشؤون الاجتماعية. المحور الأول أنه من الملاحظ، وخصوصًا من قِبل جهات العمل في القطاع الخاص، تدني رواتب ومميزات العاملين في مهنة السيكورتي. وهو أمر آن الأوان لكي يجد الحل الملائم الذي يحفظ حقوق العاملين في هذه المهنة بوضع سقف للرواتب والمميزات، يلتزم به القطاع الخاص تجاه هذه الفئة من أبناء وبنات الوطن. المحور الثاني المناط بالوزارة عمله؛ لكونها جهة اختصاص، هو إلزام كل جهات القطاع الخاص التي يعمل بها موظفو وموظفات أمن ببروتوكول موحَّد، تلتزم به هذه الجهات، يهدف لتهيئة بيئة عمل مناسبة للعمل، تراعَى فيه النواحي كافة المفروض توافُرها لكل مَن يعمل في وظيفة السيكورتي، من تأمينات اجتماعية (تقاعد)، وتأمين صحي، وبدلات طبيعة عمل..
الجهة الحكومية الأخرى التي يمكن أن يكون لها دور في تحسين ظروف العاملين في مهنة السكيورتي هي المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني. هذه المؤسسة التي صرفت عليها الدولة بسخاء مليارات الريالات، وما زالت نتائجها دون المستوى المرتقب منها؛ وتحتاج -قولاً واحدًا- لإعادة كاملة وشاملة لكل نشاطاتها وبرامجها وهيكلها التنظيمي.. وعلى كل حال، فالمؤسسة يمكن لها أن تنظِّم برامج خاصة مسائية، أو في نهائية الأسبوع؛ من أجل تطوير مهارات العاملين والعاملات في مهنة السكيورتي. وتكون هذه البرامج معدَّة بشكل جيد وعملي، هدفه إعدادهم لمهنة رديفة، تمكِّنهم من تحسين دخلهم، وظروفهم المعيشية.