م. بدر بن ناصر الحمدان
عودة سدير، عروس الزمن الأنيق، مدينة ترفل بعبق التاريخ، الأسطورة الجاثمة على صدر الأيام، قصة الصولجان الذي كان، إحدى أقدم الحضارات التي نشأت في تاريخ التجمعات العمرانية القديمة، وبالرغم من أنها كانت تتبوأ موقع الريادة ردحًا من الزمن خلال تاريخها الموغل في القدم، وكانت مشرقًا للشمس لسنوات طوال، ومنبرًا للثقافة والأدب في حقبة زمنية فريدة، إلا أنها في فترة من الزمن تخلت عن موقع الريادة ذاك، وتوارت خلف ألوان الغروب، ربما كان ذلك توار لكتابة التاريخ من جديد، في صفحات أنصع بياضاً، وأكثر زخماً.
يقال «أن البيئة تكون ذات معنى عندما يبدأ الإنسان يشعر بالانتماء إليها، وأن هوّية المكان ترتبط بمفهوم المعنى، حيث يمثل المعنى وظيفة أساسية تتضمن الإحساس بالمكان والتفاعل معه».
وإذا ما نظرنا إلى المدينة بأنها حقيقة تراكمية في المكان والزمان، يمكن استقراء تاريخها من مجموعة التراكمات التاريخية، والأخذ بالمبدأ التاريخي الذي يقول إن «المدينة تاريخ قديم»، وإن التعرف عليها يتم من خلال الشواهد العمرانية القديمة لاعتبارات تخطيطية ووظيفية تعكس مستوى التحضر الذي شهدته مدن عريقة مثل عودة سدير والتي تمثل إحدى تكوينات البيئة الحضرية التي شكّلت تجمعات عمرانية ذات نمط شريطي محوري نمت على ضفاف وادي سدير (الفقي) أو ما يُسمى (الباطن) وتميزت بوجود اتجاه واضح للكتلة العمرانية والتي كان يفصلها أراضٍ ذات استخدام زراعي على امتداد أكثر من (8 كلم ط) تقريباً.
كانت الجهة الغربية من الباطن تمتد عبر سلسلة من المواقع المكانية بدءاً من (الجوفا) شمالاً إلى الجنوب، مروراً ببعض المواقع مثل (الداخلة) و(الشعبة) و(الفريع) و(العودة) و(غيلان) و(جماز) و(الدبابية) و(ضاحك) و(الهوامل) و(مظلل) و(الخرير) و(اباثليمه) و(باطن العوشق) و(شناف) و(الوركا) وانتهاء (بالودي) جنوباً، والجهة الشرقية من الباطن تمتد من (الجوفا) شمالاً إلى الجنوب، مروراً ببعض المواقع مثل (الثنية) و(الشبوبي) و(الجردة) و(الشطيط) و(نعام) و(شعبة الحصان) و(غار امغار) و(القرنا) و(مسافر) و(القري) و(الاخيلفه) و(المختبيه) و(المغارف) و(وبص) و(الربيعات) وانتهاءً (بالودي) جنوباً.
وبالنظر إلى التجمعات العمرانية المحيطة بمدينة غيلان مثل (القرناء) و(جماز) ويليهما (مسافر) يمكن أن تستنتج من خلال تحليل المؤشرات الحضرية أنها عاشت حقباً زمنية متقاربة ومتعاقبة ومرت على مراحل تحضُّر عديدة، حيث يتضح أن هناك تجمعات عمرانية بُنيت على نفس المواقع التي اندثرت لحضارات سابقة، مما يشير إلى أن المساحات التي تفصل هذه التجمعات من المرجح أن تكون أراضي ذات استخدام زراعي تقليدي وآبار وأودية قديمة تحولت طوبوغرافيتها بفعل عوامل الطبيعة، ويدعم ذلك ما أشار إليه عدد من المؤرخين مثل (ابن بشر) و(الهمداني) و(لومير) في كتاباتهم عن وفرة المياه والزراعة في هذا الحيز العمراني من إقليم نجد.
كما أن (ذو النخلين) اسم قديم لبلدة عودة سدير وكان يشير إلى هذا المكان في دلالة واضحة على وجود قاعدة اقتصادية زراعية بُنيت عليها هذه الحضارة أيضاً إلى جانب النشاط التجاري والمهن الحرفية الرئيسة كمصدر آخر، كما كان يعبر عنه السوق التجاري القديم في (جماز) وما يمثله من استخدام تجاري رئيس، (الفيصل:1404هـ). يتبع..