عمر إبراهيم الرشيد
هناك عبارة مشهورة، كان العرب يتداولونها، هي أن (القاهرة تكتب، وبيروت تطبع، وبغداد تقرأ). وهذه العبارة، وإن كانت مجازية أكثر منها قطعية، إلا أنها تتحدث عن هذه الدول الثلاث بإحدى سماتها، ومنها لبنان، سويسرا الشرق كما كانت توصف منذ خمسينيات القرن العشرين حتى اندلاع الحرب الأهلية عام 1975م.
يبلغ عدد اللبنانيين المهاجرين أو مَن ينتشرون في دول العالم، إما بالإقامة، أو التجنس، 12 مليونًا، بينما عدد سكان الداخل اللبناني 6 ملايين نسمة، ولا تزال الهجرة مستمرة من الوطن الأم إلى بلاد الغرب وأمريكا وأستراليا ودول أمريكا اللاتينية. أما أسباب استمرار أو تزايد أعداد المهاجرين اللبنانيين فلا تحتاج إلى بحث؛ فانعدام فرص العمل، الهاجس الأمني، الاحتلال غير المباشر، التدهور البيئي.. وغيرها من دوافع الهجرة هي ما تجعل هذا البلد المرتهن بيئة طاردة، شأنه شأن دول عربية، وقعت في أتون الطائفية وحُكم ميليشيات، تعمل لصالح أعداء العرب.
يشبه لبنان واللبنانيون طائر الفينيق الذي ينهض من تحت الرماد، ويحلق كما في الأسطورة الفينيقية. كان هذا متداولاً على مَرّ تاريخ لبنان الحديث، وبالأخص خلال الخمسين سنة الماضية؛ ذلك أن اللبناني العامل والتاجر وصاحب المطعم، وبعد أن يقصف متجره في الليل أثناء الحرب الأهلية، يأتي إلى متجره صباحًا، ويقوم بإزالة حطامه من أثر المعارك، ويعيد فتحه لزبائنه الذين يصرون على اقتناص فرص الحياة رغم هول الحرب.
الآن يقود أبناء ذلك الجيل ثورتهم ضد الفساد والارتهان لخطط الصفويين وأعداء العرب، فهل يجنون ثمار هذه الثورة، ويحصلون على مطالبهم بوطن حُر منتِج ومستقِر؟
التاريخ دروس وعِبر لمن اعتبر. وهناك قصة رواها سجين عربي، تعرَّف على سجين لبناني معه، وأخبره اللبناني أنه سُجن لأنه أصبح (مديونًا)، وعجز عن السداد، وهذه هي المرة الثالثة التي يعود فيها إلى السجن للسبب نفسه؛ لأنه في كل مرة يخسر في مشروعه؛ ويفلس؛ ويدخل السجن، ويعود فيخرج، ويعمل من جديد، ويدخل في معترك التجارة دون يأس ونظر إلى الخلف.
لبنان بلد فسيفسائي، تعيش على أرضه طوائف عديدة، وأعراق متنوعة.. كان ملجأ للتائهين ومتنفسًا للعرب، بدور النشر والمصارف والمنتجعات والمصحات.. هل تعيد ثورة الأرز هذه لبنان إلى عهد النماء والاستقرار، وتجنبه بذور الصراع وعوامل التشرذم؟
ما ضاع حقٌّ وراءه مطالب كما يقال. فاللهم أعد بلاد العرب المنكوبة إلى رشدها. إلى اللقاء.