حمّاد السالمي
* اللافت على مر التاريخ -وخاصة في العصر الحديث- أن المد الفارسي الثقافي ثم العسكري فيما بعد؛ إنما يتجه جغرافيًا إلى الغرب والجنوب من إيران. أي نحو العرب المجاورين لإيران من غربها حيث العراق وأرض الشام؛ ومن جنوبها حيث الجزيرة العربية والخليج العربي، الذي تصر حتى اليوم على تسميته بالفارسي.
* لم يتجه الفرس منذ عدة قرون إلى الشرق حيث أفغانستان والهند وباكستان، ولا إلى الشمال حيث أذربيجان والجمهوريات الإسلامية هناك؛ رغم أن أقصى مدينة لها في الشمال وهي أردبيل، لا يصل إليها الإيرانيون إلا عبر أراضي أذربيجان، ورغم ما يربط الإيرانيين أمس واليوم بالقارة الهندية والشمال من روابط عرقية وجغرافية وتاريخية وحتى لغوية وثقافية. قلت هذا أمر لافت وأنا أعني ما أقول. إن صلات الفرس بالعرب قديمة نعم، ولكنها كانت عدائية في معظمها، فالفرس لم ينسوا معركة ذي قار قبل الإسلام؛ ولم ولن ينسوا معركة القادسية بعد ظهور الإسلام. ولهذا نشأ بينهم منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا ما يعرف بالشعوبية الموجهة ضد العرب. العرب الذين ظهرت الرسالة المحمدية من بينهم، وتحملوا هم عبء نشرها طوعًا أو كرهًا كما حدث في معركة القادسية. صحيح أن نسبة من عداء الفرس وكراهيتهم للعرب؛ ربما يعود إلى تعالي المنتصر عليهم في تلك الحقبة، وإلى تحويل أرض فارس إلى ممر لجيوش الغزو نحو الشرق وما وراء النهر، وإلى جولات الأمويين وصولاتهم في حروبهم مع الخوارج مدة طويلة؛ لكن هذا لا يوازى مع تسلط الفرس على مفاصل الأداء القيادي للدولة العباسية عدة قرون، وكان يمكن أن تخف حدة الشعوبية مع المكاسب التي وفرها الإسلام بقيادة العرب لفارس، مثلما هو حال الشعوبية الهندية التي خبت سريعًا، وإن ظهرت شعوبية أخرى تركية ضد العرب لستة قرون، وما زالت.
* ما هي هذه الشعوبية..؟ هي حركة اجتماعية قومية ظهرت بداية في العصر الأموي، إلا أنها برزت وتقوت في العصر العباسي. وهي حركة من يرون أن لا فضل للعرب على غيرهم من العجم. وقد تصل إلى حد تفضيل العجم على العرب والانتقاص منهم. قال عنها القرطبي: (هي حركة تبغض العرب وتفضل العجم). وقال الزمخشري: (الشعوبيون هم الذين يصغرون شأن العرب، ولا يرون لهم فضلاً على غيرهم). وتعرّف الموسوعة البريطانية الشعوبية بأنها: (كل اتجاه مناوئ للعروبة). إن أقدم الكتب التي حملت إلينا اسم الشعوبية هو كتاب: (البيان والتبيين) للجاحظ. والجاحظ أول من فنّد وكشف هذه الحركة العدائية، ودافع عن العرب، الذين هم مخ الإسلام، ولب رسالته، ويكفي أن نبي الأمة -صلوات الله وسلامه عليه- هو من أصلابهم. ويرى المفكر الإسلامي الإيراني علي شريعتي؛ أن الحركة الشعوبية تحولت تدريجيًا من حركة تسوية -بين العرب والعجم- إلى حركة تفضيل العجم على العرب، وعملت عبر ترويج المشاعر القومية، وإشاعة اليأس من الإسلام؛ إلى ضرب سلطة الخلافة. يقول: (عمدت الصفوية إلى إضفاء طابع ديني على عناصر حركتها وجرّها إلى داخل بيت النبي إمعانًا في التضليل، ليتمخض عن ذلك المسعى حركة شعوبية شيعية، مستغلة التشيع؛ لكي تضفي على الشعوبية طابعًا روحيًا ساخنًا، ومسحة قداسة دينية، ولم يكن ذلك الهدف الذكي متيسرًا إلا عبر تحويل الدين الإسلامي وشخصية محمد وعلي إلى مذهب عنصري وشخصيات فاشية، تؤمن بأفضلية التراب والدم الإيراني والفارسي منه على وجه الخصوص).
* يرى بعض المؤرخين؛ أن بوادر الشعوبية الفارسية ضد العرب؛ ظهرت مع اغتيال أبي لؤلؤة المجوسي للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأن طرق الممارسة في هذا العداء الشعوبي؛ تجلت في كثير من الاغتيالات التي طالت خلفاء بعد ذلك- التدخل وإذكاء الخلاف بين الأمين والمأمون- وطالت بالتشويه؛ صورة زعماء مثل هارون الرشيد، والحجاج بن يوسف الثقفي. هارون الرشيد الذي كان يحج عامًا ويغزو عامًا قالوا عنه؛ إن بقصره آلاف الجواري والغلمان..! والحجاج بن يوسف قاهر الخوارج على الأرض الفارسية؛ يقتل في معركة واحدة عشرات الآلاف..! ويُبَالغ في سيرته بما يسيء للثقفيين الذين ناصروا بني أمية ووقفوا معهم، وما إن تزول دولة بني أمية؛ حتى يظهر حقد الفرس من خلال نبش قبور الأمويين والثقفيين وحرق جثامينهم..! ليس هذا فحسب؛ وإنما يُلاحق كل أموي وثقفي فيُقتل..! الشعوبية تسيطر منذ البداية؛ انطلاقًا من بغداد، وظلت إلى اليوم وهي تلاحق العرب، تشويهًا وتكريهًا وإكراهًا للانتقام والاذلال. نزار السامرائي عميد الأسرى العراقيين في السجون الإيرانية- شاهد حي- قال في حديثه لبرنامج الذاكرة السياسية لقناة العربية: (جاء إلينا في السجن ضابط إيراني جامعي وسألنا: ما هو الاستعمار..؟ فقال أحدنا: الاستعمار هو الذي سلم فلسطين لليهود. وقال آخر: إنه سبب تخلفنا، وثالث قال: الاستعمار هو سبب الحرب بين إيران والعراق. وتعددت التعريفات للاستعمار من شخص لآخر، وفي كل مرة يقول: لا ليس هذا..! فطلبنا منه أن يخبرنا هو عن تعريفه للاستعمار فقال: كل ما ذكرتم من الاستعمار سيرحل ولو بعد حين..! لكن الاستعمار الحقيقي؛ هو أن ترى والدتك تقرأ القرآن باللغة العربية..! الاستعمار الحقيقي؛ هو أن تسمع الأذان خمس مرات باللغة العربية..! الاستعمار الحقيقي؛ أن تذهب للحج إلى مكة..! العرب.. هم الاستعمار الحقيقي..! فقد قام قوم من البدو المتخلفين بإسقاط إمبراطورية فارس العظيمة)..! يا إلهي.. إذن.. هذا هو لب نظرة الشعوبيين للعرب وللدين الإسلامي الحنيف أمس واليوم وغدًا. هذه صورة معاصرة لشعوبية الفرس وعنصريتهم وعدائهم المكشوف تجاه العرب. وهنا أكثر من صورة لمسؤولين إيرانيين من تصريحات منشورة. فهم يفخرون بأنهم يسيطرون فعلاً على أربع عواصم عربية هي: (بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء). منهم: (حيدر مصلحي)، وزير سابق في حكومة محمود أحمدي نجاد. و(علي يونسي)؛ مستشار الرئيس الإيراني لشؤوالأقليات، اللذان قالا: (العراق هي عاصمة الامبراطورية الإيرانية الجديدة)..! ومنهم (إسماعيل قائاني) نائب فيلق القدس سابقًا التابع للحرس الثوري الذي قال: (إيران مستمرة في فتح بلدان المنطقة، وأن الجمهورية الإسلامية بدأت بسيطرتها على كل من: أفغانستان والعراق وسورية وفلسطين ولبنان واليمن، وأنها تتقدم في بسط نفوذها نحو بقية بلدان المنطقة). ماذا نريد أكثر من هذا..؟
* إن تصدير الثورة الخمينية؛ هو تصدير للشعوبية ضد العنصر العربي، وكانت الثقافة والآداب سابقًا جسرًا للتصدير، واليوم تتولى المراكز الثقافية الإيرانية في عواصم ومدن عربية كثيرة هذه المهمة. إنها أوكار للتجسس، وشراء الذمم، وتكوين المليشيات التخريبية. على العرب أن ينتبهوا لهذا، وأن يقفلوا هذه المراكز فورًا.