فهد بن جليد
غدًا تنطلق دورة برامجية جديدة في معظم القنوات الخليجية والعربية. هذا الموعد السنوي يصيبني (بالغثيان) بسبب ظهور برامج ترفيهية وحوارية ومسابقات، بل حتى برامج فن وطبخ، تكشف مدى ضعف العقلية الإنتاجية العربية، وانتشار أنواع وأشكال (لطش) البرامج الأجنبية (أي تقليديها وسرقة أفكارها وطريقة تصويرها ونوعية محتواها). ولأن فاقد الشيء لا يعطيه تظهر معظم هذه البرامج مشوهة عن النسخة الأصلية على معظم الشاشات والفضائيات العربية؛ لأنها ناقصة (حبكة ما)؛ لأنها تتناسب مع طبيعة وثقافة مجتمع المشاهدين الذين صُممت لهم. المضحك أكثر أن تقوم فضائية ما (بلطش) برنامج تعرضه فضائية عربية أخرى (لطشته أصلاً) من قناة أجنبية، ولكن مراحل (اللطش) هنا متفاوتة، حسب القدرة الإنتاجية، وحُسن (اللطش) وآدابه.
سرقة الأفكار والإنتاج غير المحمي قضية شائكة منذ العصور الأولى، وهي مقبولة تحت غطاء توارد الأفكار، وآداب الاقتباس، وفن التشابه، أي تقديم المنتج المسروق بحال أفضل مما قدمه الأول بتطوير الفكرة. ولنا في الشاعر العربي المتنبي خير مثال؛ فهو أشهر(لصوص الفكر) الذين لا يتركون أثرًا لسرقاتهم بالإبداع إلى حد الإبهار؛ فقد قيل إن معظم أبيات المتنبي وأفكارها مسروقة تحت بند (توارد الخواطر)، ولكن فحول الشعر والنقاد في عصره فشلوا في إثبات ذلك، وإن اتفقوا على أنه سبق بفكرة البيت وحرفه، ولكن المتنبي أذكى من الجميع حتى قيل إنه بارع في (لطش) البيت من لسان شاعره في مجلس الخليفة أو الوالي؛ ليصفق له الجميع، ويشهدوا بغزارة شعره وعمق معناه.
معظم إنتاجنا العربي الفني والأدبي والثقافي وحتى العلمي على الفضائيات (مكرور ومسبوق)، لا نستطيع إنكار ذلك. نحن بحاجة لفتح الباب أمام مبدعين حقيقيين جدد، حتى لو كانوا على هامش الشهرة والحياة. هؤلاء يستحقون الدعم، ومنحهم الفرصة للظهور، وهو أكبر التحديات التي تواجههم، فيما غيرهم من المشاهير منشغلون في إخفاء المعالم والأدلة التي تفضحهم.
وعلى دروب الخير نلتقي.