د.عبدالعزيز عبدالله الأسمري
أكد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي عند تعيينه اللواء/ إسماعيل قآني قائدًا لفيلق القدس خلفًا للإرهابي قاسم سليماني الذي اغتيل بضربة جوية أمريكية قرب مطار بغداد أن «الخطط لفيلق القدس هي ذاتها المعتمدة في عهد سليماني». وكان خامنئي هو مَن كلف الجنرال سليماني في عام 1998 بمهام زيادة النفوذ الإيراني في المنطقة، ودعم شبكة حزب الله الإرهابي، مع إنشاء شبكات إرهابية أخرى تعمل كأذرع تنفيذية لسياسة إيران التوسعية في المنطقة.
لعب فيلق القدس خلال قيادة سليماني على مدار عشرين عامًا دورًا رئيسيًّا في تنفيذ سياسة إيران الخارجية المدمرة للمنطقة. فمن خلال العمل السري الخارجي حاك سليماني ونفَّذ أبشع وأخطر العمليات الإرهابية التي أدت إلى قتل وتهجير الملايين من العرب وغيرهم، إضافة إلى ما خلفته الحروب التي أدارها من دمار وزعزعة للأمن والاستقرار بالمنطقة، وبدَّد فيها أموالاً إيرانية طائلة، كان الأجدى أن تُصرف لتحسين الوضع المعيشي للشعب الإيراني، بدلاً من السعي لتنفيذ خطط وسياسات ذات أوهام توسعية بمليشيات وعمليات إرهابية بشعة، ومغامرات غير محسوبة. وكان سليماني قد عمل في سوريا على دعم بقاء النظام السوري بالسلطة من خلال الدعم العسكري له في ساحات القتال بالجنود والمرتزقة من أفغانستان وباكستان، وزوده بشحنات من الأسلحة المتنوعة، إضافة لملايين الدولارات من الإمدادات النفطية المجانية التي لم تجنِ إيران مقابلها إلى الآن إلا الخسائر في المال والجنود والعتاد.
من جانب آخر، اعتبر سليماني التماهي مع حزب الله اللبناني نموذجًا ناجحًا لمبدأ تصدير الثورة، وأصبح الحزب إحدى أذرع فيلق القدس بالمنطقة. ولتفعيل نشاطه وكسب ولاء قادته قدم سليماني الدعم العسكري والمالي السخي؛ إذ عمل على إمداده بالأسلحة النوعية، وموَّله سنويًّا بما يقارب 700 مليون دولار، إلا أن ذلك لم يؤتِ أُكله كما كان يخطَّط له؛ وذلك بعد أن تقلص الدعم الإيراني له نتيجة لحملة «الضغوط القصوى» الأمريكية.
لم يكن الدور الذي لعبه سليماني في اليمن أقل تدميرًا عن سابقيه؛ فقد سعى لدعم الانقلابيين الحوثيين بهبات من الوقود تقدر بنحو 300 مليون دولار سنويًّا، وزودهم بخبراء وصواريخ باليستية وطائرات مسيَّرة من صنع الماكينة العسكرية الإيرانية؛ بهدف أن يجعل من الانقلابي الحوثي منظمة شبه عسكرية، يهدد بها منطقة الخليج ومضيق باب المندب، ويصبح منفذا التجارة العالمية تحت السيطرة الفارسية.
ختامًا، ربما يكون اغتيال قاسم سليماني وإزاحته عن المشهد السياسي والعسكري الإيراني قد مهّد الطريق للنخب الحاكمة في طهران - خاصة القوى التي طالما عارضت سياساته واستاءت من نفوذه - لإعادة تقييم الدور الإيراني الإقليمي، وإيقاف الدعم للجماعات والمليشيات الإرهابية التي زرعها بالمنطقة، والالتفات للداخل الإيراني لرأب الصدع، وتحسين الأوضاع الاقتصادية السيئة، بدلاً من السعي وراء أوهام توسعية، ومحاولات لحيازة أسلحة نووية، لن يُسمح بامتلاكه، غير أن النافذين الأقوياء بالنظام قد يستمرون في سياساتهم المدمرة حتى بعد مقتل المجرم قاسم سليماني.