سلمان بن محمد العُمري
قضية فلسطين نازلة عظيمة من نوازل التاريخ وهي نازلة أمة لا نازلة دولة، وما من قضية من قضايا العالم الإسلامي خلال قرن مضى أشد روعاً وأدمى جرحاً من قضية فلسطين ونكبة فلسطين، فلا تزال الأرض مسلوبة والملايين من الفلسطينيين يعيشون خارج أرضهم ومن هم داخل فلسطين المحتلة يعيشون أوضاعاً سيئة، والأسوأ من ذلك هو ما يظهر بين الحين والآخر من «أباضيات» المقاومة الفلسطينية وحركات التحرير والمقاومة التي ابتليت بها على مدى عقود طويلة ولا تزال، فهذه الحركات هزمت ذاتها قبل أن تهزم لأنها تختار مسارات خاطئة في حقها وفي حق الآخرين، وتعجب حينما تراها تسير في مسار أعدائها وتتنكر لمن يساندها ويدعمها وقبل ذلك اختلاف أبنائها وشقاقهم وتنازعهم، بل وحملهم السلاح على بعضهم البعض لأن الهوى للحزب وللحركة وللجماعة وليس الولاء للوطن وهذا هو الأرث الذي تتوارثه الأجيال للأسف الذي رسخ الهزيمة الذاتية في فلسطين.
في زمن مضى وحينما كانت الشيوعية والناصرية في أوج شعاراتها وهتافاتها وخطبها الرنانة في العالم العربي اصطف بعض أبناء فلسطين مع هذه الموجة وركبوها ومجدوها ونعتونا بالرجعية، وتسابقوا في الإساءة لهذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية شعراً ونثراً وفي الصحف والإذاعات ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وخسر أصحاب هذه الشعارات وخابوا وبقيت بلادنا شامخة ترتقي سلم المجد والنمو والازدهار فيما عانت البلدان التي تبنت هذه الحركات ما عانت من التقهقر والاندحار، ولم توقف المملكة دعمها وإعانتها ومساندتها لمن أساؤا إليها بل طوت كل صفحة في سبيل دعم الأخوة العربية الإسلامية، ونصرت قضايا الأمة مادياً ومعنوياً.
ثم جاءت أزمة الخليج ودخول صدام حسين للكويت وانكشف الغطاء مرة أخرى بدعم الغزو والتطاول على دول الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة، وكذلك الكويت وهما من أكبر البلدان العربية إيواءاً للشعب الفلسطيني، ولم يقف هذا عند التهور الشعبي بل امتد للأسف للقيادة الفلسطينية التي كانت طوال السنوات الماضية مدعومة من أشقائها في الخليج، ثم طوينا صفحة الماضي للحفاظ على وحدة الأمة العربية الإسلامية.
وحينما تناحر الإخوة في فلسطين فيما بينهم استضافتهم المملكة لأكثر من مرة وعملت على الإصلاح ووحدة الصف والكلمة الفلسطينية ولم تتوانى في دعم قضيتهم وقضية العالم الإسلامي والعربي مادياً ومعنوياً في كل محفل.
وقبل ثلاثة عقود نشأت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» واستبشر المسلمون بقيامها والتمسوا فيها خيراً بعد أن ملوا من خطابات من سبقهم وشعاراتهم الاشتراكية تارة، والقومية تارة أخرى، ولا سيما وأن الأخيرة تلبست برداء الإسلام ويوماً بعد يوم بدأت الصورة تتضح بأنها فصيل من حزب وجماعة «الإخوان» ولاؤهم للحزب والجماعة وليست للوطن ولا للمواطن الفلسطيني، وحينما يصدر منهم بيان أو يرى لهم حضور في مواقع مشبوهة وزيارات غير مقبولة كان البعض يلتمس لهم الأعذار ويطالب بعدم الاستعجال في الأحكام ولكنها الحقيقة التي لا بد أن تنجلي في يوم من الأيام وينكشف الزيف عندما تسقط الأقنعة، وبقدر ما كان هلاك قاسم سليماني مصدر سعادة لكل مسلم غيور لقاء ما فعله بالمسلمين السنة في العراق والشام ولبنان فإن هناك نتائج إيجابية أخرى لمقتل هذا المجرم السفاح ومن معه ذلك أنها كشفت آخر ورقة توت لحركة حماس، وأسقطتها وكشفت سوءتهم وعرتهم، فحركة حماس ومن يقوم عليها لم يكتفوا باستفزاز المسلمين عندما أصدروا بياناً أدانو فيه مقتل سليماني، وأكدوا على دوره في دعم المقاومة الفلسطينية بل تعدى ذلك إلى جرم أكبر حينما سافر إسماعيل هنية إلى طهران ومن قبلها؛ قال: بأن قاسم سليماني أخاً، وأنه شهيد القدس.
من الشهيد؟!
أهو قاتل الأطفال والنساء والأبرياء في الشام والعراق ولبنان؟ أهذا الذي أعلن مراراً أن طموحاته الوصول بقواته إلى بيت الله الحرام، أهذا هو الشهيد الذي لم يطلق رصاصة واحدة تجاه إسرائيل.!
لقد كرر هنيه لفظ الشهادة ومنحه صك الغفران ثلاث مرات جازماً فمن الذي يجزم له بالشهادة؟ وفي ديننا لا يجزم لأحد بالشهادة وإنما يدعى له بأننا نحسبه في عداد الشهداء، فهل مقتل سليماني على أبواب بيت المقدس مجاهداً؟
إن رئيس المكتب السياسي لحركة مقاومة «حماس» أعلن بعزائه ونعيه هذا نعي حركة المقاومة وانتهائها ما لم تتبرأ الحركة منه وإلا فهي والحكومة الإيرانية المجرمة في خندق واحد يقاتلون إخواننا في بلدان العالم العربي والإسلامي.
لقد قال البعض عن البيان إنها تصرفات فردية، وقال البعض عن صور ولقطات العزاء تصرفات فردية، ولكن زيارة هنيه كشفت آخر ستارة كانت تخفي هذا التلاعب والتلون، فأين دماء الأبرياء في الشام والعراق ولبنان واليمن.؟!
إن المشاغبات والخروج عن المسار الصحيح لبعض القيادات الفلسطينية أياً كان اتجاهها لم ولن تكون بإذن الله عائقاً دون الوقوف مع فلسطين وأهل فلسطين، وهذا هو نهج الأوفياء وفي مقدمتهم أبناء المملكة العربية السعودية قيادة وشعباً فقضية فلسطين ليست قضية مصالح ولا قومية ولا أهواء شخصية فهي قضية معتقد ودين والالتزام بها مبدأ راسخ.
وأخيراً عينت إيران الخبيث إسماعيل قاآني بديلاً لقاسم سليماني ولا فرق الآن بين إسماعيل هنيه وإسماعيل قاآني طالما أنه يترحم على المجرمين وينعتهم بالشهداء فهم على حد سواء.
فالحمد لله الذي أراح المسلمين من قاسم سليماني، والحمد لله الذي أبان إسماعيل هنيه وحماس على حقيقتهم.