شريفة الشملان
إنهم يتساقطون من حولنا، تبدو الحياة تسير سريعًا بنا ونحن نرى الكثيرين يتساقطون من حولنا، يبدو الغياب سريعًا أسرع مما نتوقع بحيث صرنا لا نلاحق أيام العزاء يومًا وراء آخر.
وقبل ذلك:
ربما بعضنا اتخذ قرارًا ممتازًا أن يعيش ما بقي له في أمن وسلام، ومن أجل هذا الأمر صار الأغلبية يبحثون عن الرضا في الحياة والبساطة أكثر.
هذه البساطة تحتاج تقلصًا كثيرًا في أغلب العلاقات، وأكثر ذلك العلاقة ما بين الإنسان والأخبار. إنها علاقة مؤلمة وجارحة، تسرق الفرح وراحة البال. فلا مجال للفرح فيها خاصة جيلنا الذي فتح عينيه على نكبة فلسطين، وعلى بلدان عربية تحاول أن تلمم جراحها، وإذا هي في ذلك مزقت نفسها وزادت فلسطين اضمحلالاً. وجاءت حروب تلو حروب والكل ضد الكل.
لقد كنا جيل الحب والشغف للمعرفة، للقراءة والأدب جيل التسابق للفوز بالشهادات، ومن ثم العمل. كان العمل بالنسبة لنا هو باب آخر للتعلم والمعرفة والمشاركة في العيش بحب وكرامة ومن ثم البناء، بناء أسرة وبيت وتأمين مستقبل. حتى جاء التقاعد ومسكنا مقعدنا. ورحنا نبحث عن الهدوء عن الراحة وحياة أخرى. فكرنا أننا سنعمل ما نريد..
كبرنا ربما خاننا الجسد ولم تخنا رغبة حب المعرفة، ومن أجل ذلك بشغف ننبش رغبات مؤجلة.
رغبة في حرفة كنا نتمنى إجادتها، ورغبة في تعلم لغة جديدة تحرك جداول عقولنا الراكدة تأخذنا نحو أفق أوسع، ربما بمشروع لتعليم ويدرب من حولنا.
غالبًا راجعنا دفاتر صداقاتنا ومعارفنا ورحنا نحاول إعادة برمجتها.
هناك أصدقاء العمر وما بقوا أصدقاء العمر إلا إنهم يستحقون البقاء معنا، والحياة لا تحلو إلا بهم. وهناك أصدقاء ترسخت علاقتنا بعمل ووجدنا منهم طيبة وإخلاص، لله الشكر والحمد أن تزاملنا معهم فصاروا أكبر سند. وهناك هواتف ما عادت تنفعنا فالغيت.
وجدنا هناك صداقات تثقل كاهلنا وتشعب الدروب بنا. وهناك أصدقاء تركوا بمحض رغبتهم، هؤلاء انتهى وجودهم بحياتنا فسهل الله لهم دروبهم.
الصديق النكدي، الذي يبحث عمّا يؤلمك ليذكرك به وحتى إخفاقاتك يلبسها كل يوم ثوبًا ليبعثها لك. ذاك له الشكر ولنا أن نعرف كيف نخفف علاقتنا. الصديق المتطلب يريد حقوقًا دومًا ولم يعد لنا طولة بال لذلك، الانسحاب بهدوء هو عين العقل، من يمنح لنفسه حق التدخل بحياتك، ألف شكر ومع السلامة.
ننسحب من المناسبات الكبيرة حيث الضجيج ونكتفي بأقرب الأقارب.
لم يعد البيت الكبير ولم تعد السيدة الكبيرة والرجل الكبير. هما من يكون بابهما مفتوحًا طوال الوقت، لأن الشباب ما عاد لهم وقت لذا لقيا الأحباب أقل وصار التواصل عبر الأجهزة أسهل، لا بأس ما زالوا يتذكرون.
الرتابة نحن من يغيرها ونحركها كل بطريقته، هي الأشياء الصغيرة والبسيطة بين من نحب تجعل أيامنا أسهل هي القرب من رب العالمين وسنة نبيه. هي العطف والحنان والإخلاص لوجه تنير الأيام وتكسر الرتابة.
نريد إشراقات حلوة ويبقى طعمها ملء جوارحنا. وما أكثر الأماكن المحتاجة وأطفال ليد تمسح الحزن عن رؤوسهم.
نرفه أنفسنا رحلة قصيرة تريحنا أماكن بلا ضجيج فيه فالضجيج كلما كبرنا آلمنا.
فترات الفرح تعيد ضخ دماء السعادة حولنا وتفرش لنا دربًا أخضر جميلاً.
فاللهم وسع لنا دربنا وجمله وأجعل لنا أيامًا جميلة وهانئة حتى نلقاك.
ودعوات بالهناء والحب والسعادة لشبابنا لمواطنينا وللعالم من حولنا..