د. محمد بن إبراهيم الملحم
نعرج اليوم على تقارير بيزا التحليلية التي تناولت جوانب مهمة لفهم أعمق للمعادلة السوسيوتعليمية، وأهم عامل هنا هو المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي للأسرة ومدى تأثيره على تحصيل أو تفوق الطلاب، فقد وضحت الدراسة أن الطلبة السعوديين ذوي الظروف الاجتماعية - الاقتصادية الجيدة تفوقوا على الطلبة الأقل في ظروفهم الاجتماعية-الاقتصادية محققين 74 نقطة أعلى في القراءة (وفي دول OECD كان الفرق 89 نقطة) كما ظهرت نتيجة مماثلة في الرياضيات والعلوم أيضا حيث كان للمستوى الاجتماعي والاقتصادي للأسرة تأثير على ارتفاع نتائج الطلاب الأعلى في هذا المستوى عن أقرانهم الأقل بفارق 11 % في كلا المادتين (دوليا هذا الفارق 14 % للرياضيات و13 % للعلوم)، والواقع أن هذه النتائج يمكن لنا أن نقرأها كالتالي: طالما أن ارتباط نتائج التعليم في الدول الأخرى بالمستوى الاقتصادي أو الاجتماعي للطالب (أو لأسرته) هو غالباً يمثل بقدرة الأسرة على إلحاق الطالب بمدرسة خاصة (والتي هي غالباً أفضل من الحكومية أداء) فينبغي أن يكون هذا المعيار نقطة تحدي لدى الوزارة في جعل مدارسها الحكومية تضاهي الأهلية وتتساوى معها في الأداء لينخفض هذا الفرق مستقبلاً، وهذا التحليل له جانب معقول في التفسير من حيث مشاهداتنا لفروق بين «عدد من» المدارس الأهلية والمدارس الحكومية ولكن نحن نعلم أيضاً أن المدرسة الأهلية لدينا ليست على الدوام تفوق الحكومية كما هو في الغرب وأن المتفوقة هي مدارس معدودة، وهذا يجعلنا نبحث عن وجهة تفسير أخرى أيضاً، وما يرد على الاحتمال هنا هو أن المدارس الحكومية التي في المناطق أو الجهات (مدن، قرى، أحياء) التي يعيش فيها الطلاب ذوو المستوى الاجتماعي/ الاقتصادي الأقل يكون أداؤها التدريسي والتربوي أضعف من المدارس الحكومية التي في الجهات التي يعيش فيها الطلاب الأفضل في المستوى الاجتماعي/ الاقتصادي، والواقع أن هذا التفسير أقرب للقبول خاصة عندما ننظر إلى الفقرة التالية في تحليلات نفس التقرير حيث اهتم بدراسة ما أسماه «مؤشرات العزل الإحصائي والفروق في نقص المستلزمات والكوادر بين المدارس ذات الظروف الاجتماعية - الاقتصادية الجيدة والمدارس الأقل في ظروفها الاجتماعية-الاقتصادية».
في هذا الجزء اشتكى قادة المدارس التي في المناطق/ القرى الأقل في الظروف الاجتماعية الاقتصادية من نقص المعلمين أكثر مما اشتكى قادة المدارس الجيدة في ظروفها الاجتماعية- الاقتصادية كما يشكون من أن قلة عدد المعلمين ظاهرة مستمرة تتسبب في نقص أداء الطلاب، والآن هذا يفسر ما تقدم ذكره عن تأثير انخفاض المستوى الاجتماعي والاقتصادي للطالب وتأثيره على تقدمه الأكاديمي في المواد الأساسية الثلاث القراءة والرياضيات والعلوم، حيث إنه من الواضح أن مدارس كلا من الفئتين ليستا على نسق واحد من الكفاءات والمستلزمات والظروف والإمكانيات. وبحسب التقرير فإن 53 % من الطلبة السعوديين يدرسون في هذه المدارس (الفئة الأقل اجتماعياً واقتصادياً)، وهذه النسبة يقابلها 34 % في بقية الدول، وهذا يعني أن أكثر من نصف الطلاب يعيشون هذه المعاناة ! هذه النسب تدعو للتساؤل عن ماهية الخطط التي تعتزم الوزارة القيام بها للتغلب على هذه المشكلات المزمنة، فنحن السعوديون نعلم علم اليقين ماذا تعني هذه الأرقام على أرض الواقع، فالهجر والقرى الكثيرة والمدن الصغيرة المتناثرة في جغرافية المملكة والتي فرضت وجودها طبيعة بلادنا الاجتماعية وجوانب الاقتصاد المحلي كالرعي والزراعة تستلزم من الوزارة أن تتوقف عن معاملة مدارس هذه الجهات كما تعامل مدارس المدن الكبيرة، وينبغي أن يكون لها أجندة لتعليم بصيغة جديدة خاصة لهذه الجهات سواء من حيث المناهج أو المعلمين أو الإمكانات والطرائق فنحن هنا نتحدث عن نصف طلاب المملكة كما تقدم! وهذا التخصيص للمنهج أو المعلم المدرب تدريباً خاصاً لمثل هذه الجهات (وله سلم رواتب خاص) ليس جديداً فله أمثله في دول أخرى لديها صعوبات ديموغرافية مماثلة، هذه النتيجة تلقي على كاهل الوزارة العمل على إبراز هذه القضية (قضية مساواة المدارس) وجعلها أولوية في أجندتها التطويرية لرؤية 2030 وإبرازها لدى كل العاملين لديها سواء في الشئون التعليمية حيث تدريب وتأهيل المعلمين وتطوير المناهج وتحسين الإمكانات التعليمية أو العاملين في الشئون الإدارية حيث الإمكانات والتجهيزات المادية لهذه المدارس وتهيئة أفضل الظروف للتعلم والتفوق، بدون تغيير ثقافة وتوجهات العاملين في المؤسسة التعليمية فإن إيمان المخططين ووعيهم وطموحاتهم لن تؤدي إلى تقدم كبير.