ياسر صالح البهيجان
تفقد معظم المؤسسات الخدميّة بوصلة تحقيق رضا المستفيد نتيجة حجم الأهداف الضخمة والمتعددة التي تحددها لنفسها مع بداية كل عام جديد، دون أن ينصبّ تركيزها على أهداف محددة ذات أثر واضح ومباشر يمكن الوفاء بها انطلاقًا مما لديها من إمكاناتها المالية وطاقاتها البشرية، وحينها تكون كمن لم يبقِ ظهرًا ولم يقطع أرضًا في ظل معاناتها الدائمة للتوفيق بين أهدافها مترامية الأطراف، والتي غالبًا لا تتمكن من إنجاز سوى النزر اليسير منها، ليتم ترحيل غير المنجز إلى العام المقبل، ويتكرر السيناريو ذاته وسط حلقة مفرغة تتراجع من خلالها جودة الخدمات وتتزايد نسبة تذمّر المستفيدين.
وما يؤزم الموقف أكثر هو تيه منسوبي تلك المؤسسات حتى تجد داخل الإدارة الواحدة أهدافًا متضاربة وانقسامات في الرؤى تنعكس سلبًا على الإنتاجيّة، وهي نتيجة منطقية ومتوقعة ما دام الموظف يجهل الهدف الرئيس الذي استُقطِب من أجل تحقيقه، لندخل حينها في معترك الاجتهادات الشخصية، وسيادة فوضى المقاصد ليصل كل فرد إلى ضفة مغايرة عن الضفة التي يُفترض الوصول إليها.
ولتحديد الأهداف سمات رئيسة من الضروري توافرها لتكون أهداف مؤسساتنا ذات قيمة حقيقية، أولها أن يكون الهدف «محددًا ومُركزًا» ويمكن تبسيطه ليستوعبه جميع العاملين لجعل طاقاتهم تتدفق نحوه. ثانيها «قابلية القياس» سواءً على هيئة أرقام أو نسب إنجاز لمعرفة مدى التقدم المُحقق، وبما يتيح التدخل في الوقت المناسب لمعالجة أي تعثرات. ثالثها «إمكانية التحقيق» بناءً على الموارد المتاحة، منها ما هو متصل بالميزانية المقررة وإمكانات القوى البشرية والتقنيات المستخدمة ونحوها. رابعها «الصلة بالظروف المحيطة» سواءً كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية. خامسها «الإطار الزمني» الذي بموجبه تُقسم المهام إلى أجزاء صغيرة لتفضي في نهاية المطاف إلى تحقيق الهدف المنشود.
وما دمنا في إطار الحديث عن رضا المستفيد بوصفه الهدف الأسمى لجميع المؤسسات الخدمية، فإن استراتيجية وضع الأهداف لابد أن تنطلق من فهم مباشر لما يعانيه، لتكون الأسئلة الأبرز في أي خطة تنفيذية هي كيف نحقق رضا المستفيدين؟، هل يعانون من تأخر في تنفيذنا للخدمات؟، ما تطلعاتهم المُنتظرة منّا ولم نفي بها؟، ما العوائق التي تحد من قدراتنا في تحسين جودة مخرجاتنا؟، ومن رحِم تلك التساؤلات وغيرها ستولد حتمًا الأهداف الجديرة بالاهتمام، والتي في ضوئها تضع كل جهة ما يتواءم مع احتياجات عملائها، وحينها ستشهد القطاعات الخدمية نقلة نوعية غير مسبوقة؛ لأنها استطاعت تحديد أهداف مقننة استنادًا على فهم عميق للتحديات الراهنة واستشراف لحلولٍ قابلة للتحقق في المستقبل.