حسن اليمني
لحق سليماني الشيعة ببغدادي السنَّة بالسلاح نفسه، فهل انتهى في الجدول الأمريكي فصل وابتدأ فصل جديد؟
صال وجال كلا الاثنين بغدادي وسليماني في العراق وسوريا تدميرًا وتقتيلاً في المكون العربي السنّي بلا رحمة ولا هوادة، واليوم يُسدل الستار على تلك الصفحة السوداء أمريكياً، فهل نحن بصدد صفحة جديدة؟ يبدو الأمر كذلك. الحراك الثوري في العراق وإيران ولبنان ظهر بشكل متقارب جدًا يصرخ بنَفَسٍ واحد هو التحرر من الفوضى.
بقيت في هلال الأزمات الشمالي سوريا غير متجانسة في حراكها مع جوارها حيث يعزف السيد فلاديمير بوتين بالطائرات في أجساد البشر كأنه ثالث ثلاثة ما زال ينشط، فهل يلحق قريباً بإخوته بغدادي وسليماني ولكن بطريقة مختلفة تنسجم واختلاف الكينونة بين الاثنين والثالث؟
الحراك السلمي في كل من إيران والعراق ولبنان يصل في النهاية للرغبة الأمريكية بطريقة أو بأخرى، بينما يظهر الوضع القائم في سوريا إلى النتيجة نفسها بطريقة أو بأخرى أيضًا، بمعنى كأن الغاية الأمريكية تبرر الوسيلة لتحقيقها، إن بالحراك السلمي لإسقاط الرتم السابق في الدول الثلاث أو الدمار لخلق رتم جديد في انزلاق روسيا وتركيا في سوريا، في صحبة حذرة ومعرضة في أي لحظة للتصادم، إضافة إلى وجود رغبة في إنشاء دويلة كرد بين العراق وسوريا وتركيا، إلا تبدو الصورة وكأننا أمام ملامح أزمات جديدة تتجه نحو الشمال وشمال الشمال.
من الصعب جداً التنبؤ بما في الصفحة الأمريكية الجديدة للمنطقة قبل ظهور علامات واضحة، وليس في اليد غير استقراء الملامح المبهمة، لكن الأكيد أننا ننتقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى، قد تكون هي بذاتها سطور الصفحة، أي المرحلة الانتقالية، لما تحمله من معطيات تخلق في النهاية مظهرًا أو صورة مختلفة للوضع القادم المرسوم في الصفحة الجديدة، فاختلاف المقاصد بين روسيا وتركيا في سوريا واضح وجلي برغم القفز على التناقضات والحرص الواضح من الطرفين على التمسك بالتوافق قدر الإمكان على ما يحقق رغبة كل طرف بشكل آني دون النظر إلى الغايات النهائية التي يحجبها حاجة الطرفين لبعضهما وإن لم تكن خافية عليهما.
انكفاء إيران على داخلها وفي لبنان والعراق يعطي مساحة أكبر للدورين الروسي والتركي، وكل ما كبرت المساحة اتسعت التناقضات وضخّمت نقاط الاختلاف ما قد يؤدي في النهاية للفراق وهو المطلوب أمريكيًا، وفي الوقت نفسه نزع سلاح الطائفية من يد إيران في العراق ولبنان بعد تحجيم دورها في سوريا لمصلحة تركيا وروسيا قد يكون إسدال الستار على الفوضى الطائفية في المنطقة بعد أن حققت النتائج المطلوبة وتحويل آلة النخر إلى صلب العلاقة الروسية التركية لاستعادة احتواء تركيا من جديد، وفي الوقت نفسه تجريد روسيا من قوتها الناعمة في المنطقة (السياسية سواء مع تركيا أو إيران) دون الالتفات لوجود النظام السوري القائم باعتباره خارج التأثير الحقيقي اليوم.
نعلم جيدًا أن السياسة الأمريكية تُصْنَع في مراكز البحوث الإستراتيجية، وما السيد دونالد ترامب إلا خير من يمثل الوجه العائم الذي لا يمكن التنبؤ بانفعالاته المتقلبة، ما جعل البعض يظن أن السياسة الأمريكية لم تعد مهتمة بالمنطقة أو أنها في مرحلة انكماش، والواقع أن وجود الكيان الصهيوني (إسرائيل) في المنطقة وضمان أمنها وتوسع تأثيرها هو غاية أمريكية تعمل مراكز البحوث الإستراتيجية الأمريكية على صناعتها بشكل دؤوب، وقد تختلف الوسائل ولكن الغاية ثابتة، فلا مجال لفصل أمريكا عن الكيان الإسرائيلي المنغرس في قلب الوطن العربي كي يظن أحد أن الولايات المتحدة الأمريكية تنفض يدها من المنطقة.