د. عبدالرحمن الشلاش
إذا كانت الحكومات في دول العالم تكفل للمواطن حقوقه في العيش الآمن، والتعليم، والعلاج، والمشاركة، وتقديم الخدمات.. فإن على المواطن واجبات أو مسؤوليات، ينبغي عليه أن يفي بها. بمعنى أن المواطنة هي صلة بين الفرد وحكومته, وتزداد هذه الصلة وثوقًا إذا التزم الطرفان بما عليهما. وهناك - بطبيعة الحال - الحد الأدنى والحد الأعلى من الحقوق والواجبات.. فنقص حق أو واجب في بعض الأحيان لا يعني أن تُجرَّد الحكومة من وفائها لمواطنيها.. ولا يُجرَّد الفرد من حق المواطنة، بل على كل فرد أن يضع الحقوق والواجبات في كفتَيْ ميزان، ثم يقيس، ثم يأخذ بمبدأ الحد الأدنى. والأهم أن يتوافر الإخلاص والوفاء والحب للوطن والخوف عليه مهما كانت الظروف، والتصدي لأعداء الوطن والمتربصين به في جميع الأحوال، خاصة في أوقات الأزمات، مهما كانت مغريات الأعداء والحاقدين.. فلا يبيع وطنه إلا خائن، يسري الغدر في دمه.
يقول جان جاك روسو في نظرية (العقد الاجتماعي): «إن للمواطن حقوقًا إنسانية يجب أن تقدَّم إليه، وهو في الوقت نفسه يحمل مجموعة من المسؤوليات الاجتماعية التي يلزم عليه تأديتها».
ينبثق أيضًا من المواطنة مصطلح «المواطن الفعّال»، وهو الفرد الذي يقوم بالمشاركة في رفع مستوى مجتمعه الحضاري عن طريق العمل الرسمي الذي ينتمي إليه، أو العمل التطوعي.
وعلى نقيض المواطن الفعّال يأتي المواطن غير الفعّال، أو ما يسمى بـ»العالة»، الذي لا يُرجى خيره ولا كفاية شره.. وهو الذي يطالب دائمًا، ويتذمر دون أن يؤدي على الأقل الحد الأدنى، بل ربما تحوَّل بعض هؤلاء العالة إلى أحمال ثقيلة على دولهم ومجتمعاتهم، وغصة في حلوق الجميع.
قد لا نبحث مسألة المواطنة من حيث العوامل التي حددتها، مثل الولادة في الوطن، أو التجنيس، وإنما نركز فقط على الحقوق والواجبات.
إذا كانت الواجبات على الحكومة تتركز في توافر قيم محددة، مثل المساواة في الحقوق، كالتعليم والعمل والجنسية والمعاملة أمام القانون والقضاء، ومثل حق الحرية في الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، وحرية التنقل، وحرية الحديث، ومثل حق المشاركة فيما يحدده نظام أي دولة دون تمييز، فإن على المواطن واجبات، تمثل شروط المواطنة الحقيقية، مثل الانتماء للوطن بتعدديته وتنوعه، واحترام النظام، والحفاظ على الممتلكات، والدفاع عن الوطن والغيرة عليه، والتكامل والوحدة مع المواطنين، والمساهمة في بناء وازدهار الوطن.
الخلاصة: إن المواطنة انتماء والتزام، وعقد واضح الشروط بين الحكومات في الدول والمواطنين. ومن لا يحمي وطنه، ويدافع عنه ولو بالكلمة، لا يستحق العيش فيه.