د. محمد عبدالله العوين
على مدى عشرات السنين لم نسمع أو نقرأ عن سقوط طائرات مدنية بصواريخ كروز موجهة إلكترونيًّا أو محمولة على الكتف أو باعتراض طائرة عسكرية، لكن العالم كله فُجع قبل أيام بصاروخ إيراني، يطلق على طائرة أوكرانية بعد تحليقها من مطار طهران بخمس دقائق فقط، ولم تزل بعد في أجواء العاصمة طهران!
جريمة كبرى، لا مراء فيها، ولا يمكن غفرانها أو التسامح بشأنها مهما كانت الأعذار الغبية المتهاوية المخجلة التي قدمها الملالي بعد ثلاثة أيام من الإنكار والتنصل من أسباب انفجار الطائرة، وتقطعها أشلاء صغيرة مبعثرة بمن فيها من الركاب البالغ عددهم مائة وستة وسبعين راكبًا على امتداد كيلومتر.
تعرضت طائرات مدنية لأعطال فنية وهي على ارتفاعات عالية في مناطق كثيرة من العالم بسبب خلل في المحركات، ونجا بعضها، وسقط عدد آخر، وكان ذلك سببًا في فواجع وآلام لكثيرين؛ فقدوا أحباءهم. ومع الألم الشديد والحزن البالغ الذي سببته تلك الحوادث إلا أن ذوي الضحايا - في الغالب - يقتنعون بالأسباب التي أدت إلى سقوطها، وينطوون على آلامهم مكتفين بالتعويض المالي الذي تدفعه لهم شركات الطيران.
لكننا في فاجعة الطائرة الأوكرانية أمام قصة مأساوية نادرة في التاريخ البشري؛ إذ لم تكن الطائرة المنكوبة عسكرية، ولا تحمل أو تتوجه إلى الإضرار بمواقع عسكرية أو مدنية، ولا تحمل عناصر مضرة أو هاربة من الأمن الإيراني، ولا تتبع دولة معادية لإيران مشكوك في أهدافها؛ فإطلاق الصاروخ القاتل المدمِّر على الطائرة جريمة مكتملة الأركان، وشاهد حي على الغباء في إدارة الأمور أثناء الأزمات المحتدمة؛ إذ صادف تحليق الطائرة حالة من التوتر والخوف وانتظار انتقام أمريكا من إيران بعد ضربها قاعدة (عين الأسد) في العراق بثلاثة عشر صاروخًا انتقامًا من قتل المجرم (قاسم سليماني) و(أبي مهدي المهندس)، وكانت تتوقع ردًّا عنيفًا من أمريكا. فإذا استبعدنا توجيه الصاروخ القاتل عمدًا إلى الطائرة المنكوبة؛ لأنه لا جدوى من جريمة غبية كتلك، فإن ذلك التصرف الأرعن يؤكد ركاكة وبلادة وفساد الإدارة في القطاعات العسكرية - على الأخص - كما هي الصورة القاتمة عن سوء الإدارة وعقمها في الجوانب المدنية أيضًا.
وتمنحنا تطورات أزمة الطائرة الأوكرانية مزيدًا من الشواهد على المستوى المتهاوي الذي وصلت إليه حالة النظام في طهران؛ لإنكار الجريمة طوال ثلاثة أيام مع انكشافها لجميع المراقبين، وتواتُر الصور ومقاطع الفيديو للحظة انطلاق الصاروخ وتفجيره الطائرة، ثم الاعتراف الذليل المهزوم بعد أن حلت أزمة الطائرة الخبر الأول في معظم وسائل الإعلام، وكأنها تختصر حقًّا بكل مشاهد الألم فيها الفصول الأخيرة من حياة نظام الملالي.
لماذا صمتت قناة الجزيرة عن الخوض في تفاصيل هذا الحدث المؤلم؟ ولماذا شاركت دول كبرى في حفلة الصمت هذه؟ وهل تكفي المليارات عوضًا عن الأرواح البريئة؟ وهل يمكن أن تكون الطائرة الأوكرانية سببًا في سقوط نظام الملالي؟