فهد بن جليد
قبل (4 أشهر) التقط لي صديق صورة في قرية (باد غاستن) بالنمسا بواسطة هاتفه الجوال. وأذكر حينها أنني واجهت موقفًا محرجًا بسبب تضايق عجوز من (مجموعة سياح) أجانب، كانوا في الخلف. اعتذرتُ لها مبررًا اختيار المكان بسبب جمال المنظر. لم أشاهد الصورة حينها نتيجة ذلك الموقف. بالأمس أرسل لي صديقي مجموعة صورنا المشتركة لعام 2019، ومن بينها تلك الصورة التي ما زلت أذكرها جيدًا. المفاجأة أن تلك (العجوز) التي صرخت في وجهي ظهرت في الصورة مبتسمة، أي إنها لم تشأ إفساد الأمر، وعبّرت عن تضايقها بعد التقاط الصورة. تلك (ثقافة) جديرة بالتأمل، تعني الكثير في التفريق بين اللحظة العابرة واللقطة التوثيقية التي ستبقى للتاريخ. اليوم وضعتُ الصورة على (خلفية هاتفي) كدرس في فن التوثيق والتصوير، قدمَتْه لي (العجوز الغاضبة).
عشرات الصور التي أحتفظ بها اليوم كأرشيف وتاريخ - للأسف - تظهر فيها (الحالة المزاجية) والظروف المحيطة عند التقاط الصورة. وهذا خطأ، سأتوقف عنه فورًا؛ لأبتسم أمام كل كاميرا وعدسة. ولعل تأملك أرشيف الصور القديمة في الثمانينيات والتسعينيات الميلادية يُظهر أن ملامح الناس (متجهمة) أو (جدية) أكثر مما يجب؛ لأن الثقافة الشائعة والسائدة في تلك الحقبة الزمنية ليست الاهتمام (بملامح الوجه) بقدر ما يحمله الإنسان من وردة، أو ما يلبسه من جاكيت، أو معلِّم يقف بجواره، بعكس ثقافة اليوم التي تُعنى (بفلاتر) ملامح الوجه القريبة، والابتسامة المصطنعة.
الإنسان اكتشف الكاميرا منذ 200 سنة تقريبًا، وقد ابتسمت المرأة للكاميرا قبل الرجل في عام 1930، بينما انتظر الرجل 20 عامًا بعدها لتوثق أول صورة يبتسم فيها عام 1950 تقريبًا؛ كون التجهم صفة ذكورية - على ما يبدو - توثقها الصور التاريخية. رسم بياني نشرته جامعة كاليفورنيا لتحليل صور الناس، يُظهر أن زوايا الشفاه أمام الكاميرا عام 1900 يجب أن تكون (صفر في المائة) كنوع من جمال النبلاء؛ كون الثقافة الأمريكية في ذلك العصر تجرِّم الابتسامة أمام الكاميرا، وتعتبرها عيبًا على الذوات وأصحاب الطبقات العليا؛ فالفقراء والأقل شأنًا هم مَن يبتسمون فقط في الصور. لا أعرف كيف أعلق على معظم صوري التي أبدو فيها من (نبلاء) تلك الحقبة، وفقراء اليوم؟
وعلى دروب الخير نلتقي.