د. محمد عبدالله الخازم
على مدى عقود، لو سألت أهل المنطقة الشرقية: ما هو أهم مستشفى خدم المنطقة بتميُّز؟ سيقال إنه مستشفى الملك فهد الجامعي. لو سألت أي رياضي: ما الذي أنقذ أندية العاصمة في ظل زحمة الروزنامة الرياضية والترفيهية للعاصمة؟ سيقولون إنه ملعب جامعة الملك سعود. لو سألت هيئة الترفيه: ما الذي دعم موسمها بتميُّز بالذات في بدايته؟ سيقال إنه مسرح جامعة الأميرة نورة. لو سألت المرور: من أنقذكم وأسهم في تنفيذ قرار قيادة المرأة للسيارة؟ لقالوا إنها الجامعات التي أسست مدارس قيادة للسيدات.
ما أود قوله هنا: الاستثمار الذي وُضع في تأسيس البنى التحتية للجامعات لا يخص الجامعات وحدها؛ بل هو رافد للتنمية في مختلف المجالات؛ لأن الجامعات ليست مؤسسات منعزلة؛ بل هي مؤسسات مجتمعية تنموية، تنهض بالمجتمع المحيط بها. ولو تتبَّعنا بقية التفاصيل سنجد دعمها لمجتمعها في جوانب تنموية واقتصادية أكبر من الأمثلة التي ذكرتها أعلاه. وهذا ليس استنتاجًا فريدًا؛ فالكل يلحظه في جامعات العالم، وبعضها يقع في مدن صغيرة، تعتمد تنميتها على جامعاتها. وهذا كان الأمل والهدف من التوسع في جامعات المناطق والمحافظات، لكن ما يحدث هو شبه توقُّف لنمو تلك الجامعات في مجال البنى التحتية التي تخدم احتياجاتها الأكاديمية والمجتمعية، وتخدم مناطقها.
لو أسسنا مستشفى جامعيًّا بالباحة فإنه سيخدم أهالي المنطقة، ويدعم جهود الصحة. لو أسسنا مسرحًا مميزًا في جامعة حائل فإن حائل ستكون مؤهلة لاستضافة أحداث ثقافية وترفيهية أكبر. لو أسسنا ملعبًا في جامعة حفر الباطن لخدمنا أندية المنطقة التي تعاني في هذا الشأن. لو أسسنا مدارس أهلية أجنبية في جامعة جازان لأسهمنا في استقطاب كفاءات أجنبية مميزة للجامعة والمنطقة. لو أسسنا مستشفى طب بيطري في جامعة الأمير سطام لأسهمنا في دعم الثروة الحيوانية وسباقاتنا العالمية للخيل والإبل وغيرها. بمعنى آخر: كل مشروع جامعي هو مشروع تنموي للوطن ولمنطقة الجامعة، فلماذا توقفت وتيرة المشاريع الجامعية بمختلف المناطق؟
بكل أسف، إن جامعاتنا وقياداتها تعودت الحصول على الميزانية من الحكومة مباشرة؛ وبالتالي العذر لديهم جاهز: لا يوجد دعم. لم تستطع أي جامعة حتى الآن أو لم تبادر بإحداث آليات حديثة خارج الصندوق التقليدي لتمويل مشاريعها. وهذا مصدر قلق؛ لا أدري هل هو عقم الأنظمة أم تقاعس من الجامعات، وتواضع إمكاناتها الفكرية والاقتصادية في حل مشاكلها؟ لا يوجد حوار واضح بين الجامعات والجهات المسؤولة عن الدعم كوزارة المالية أو الصناديق الاستثمارية؛ وبالتالي وجدت الجامعات ذاتها في نهاية طريق مسدود؛ يرفعون مطالبهم كل عام، ولا يُستجاب لها.
نحتاج إلى دعم إكمال مشاريع البنى التحتية للجامعات، إن لم يكن لأجل حاجة الجامعات - وهي كبيرة بلا شك - فلحاجة المجتمع والتنمية المحلية بمناطق وجود الجامعات. نحتاج إلى حلول تمويلية مختلفة طالما ليس بالإمكان تمويل المشاريع من الميزانية الرسمية للدولة. نحتاج إلى دعم أمراء المناطق وإدراكهم أن أي مشروع للجامعة هو مشروع تنموي للمنطقة. نحتاج إلى دعم وزارة التعليم؛ ففي النهاية هي المظلة الإدارية المعنية بالاحتياجات الناشئة للجامعات؛ ويُفترض منها الكثير في هذا الشأن.