د. إبراهيم بن عبدالله المطرف
نجحت المملكة العربية السعودية في بناء علاقات ناجحة مع دول الاتحاد الأوروبي، سواء على المستوى «الثنائي» أو على مستوى المجموعة الأوروبية أو المنظومة في إطار الاتحاد الأوروبي، بل إنها أقامت علاقات «متميزة» مع الكثير من دول الاتحاد، على كافة الأصعدة، خاصة على الصعيد الاقتصادي.
ولم تقتصر هذه العلاقة على الاقتصاد فحسب، بل إنها امتدّت لتشمل المجالات كافة، من الصناعة والتبادل التجاري، إلى السياحة والثقافة إلى التعاون العسكري. ونجحت الدبلوماسية السعودية في توطيد العلاقة بين المملكة وشركائها الأوروبيين، حتى شهدت ازدهارا ونموا تعكسه «الأرقام» والإحصاءات، خصوصاً فيما يتعلق بالتبادل التجاري بين المملكة، ودول هذه المنظومة المهمّة، على المحاور والأُطُر كافة.
يتكون الاتحاد الأوروبي من 28 دولة، وهو فريد من نوعه على الصعيد الدولي، فهو ليس اتحاداً فيدرالياً يضم ولايات داخل إطار الدولة الاتحادية، كالولايات المتحدة الأمريكية مثلاً، ولا هو مجرد منظمة للتعاون بين الحكومات، كالأمم المتحدة مثلا، وإنما هو «كونفيدرالية» تضم دولاً مستقلة ذات سيادة، تعاقدت على تكوين الكونفيدرالية، وبموجب اتفاق مسبق تفوض بعض الصلاحيات لهيئة أو هيئات مشتركة لتنسيق سياساتها في عدد من المجالات، دون أن يشكل هذا التجمع، كيانا تطغى سيادته على إرادات الدول في إدارة شئونها الداخلية.
أما الدول الأعضاء التي تشكل الاتحاد، فلا تزال دولاً مستقلة ذات سيادة، ولكنها تجمع سيادتها من أجل اكتساب قوة ونفوذ عالمي. وتلعب أربع مؤسسات رئيسية دوراً في صناعة القرار «الأوروبي»، هي المفوضية الأوروبية «الجهاز التنفيذي»، ومجلس الوزراء «الذي يعتمد القرارات»، والمجلس الأوروبي «الذي يرسم التوجه العام للاتحاد» والبرلمان الأوروبي «الذي يملك الصلاحيات التشريعية».
ويمكن القولُ: إن العلاقات السياسية بين المملكة العربية السعودية والاتحاد الأوروبي، تُعدّ علاقات تاريخية، سادَها في معظم الوقت، التقارُبُ في الكثير من المواقف، ووجهات النظر في عدد من القضايا الدولية المهمة، خصوصاً على صعيد الحقوق العربية، فقد تفَهّم الاتحاد الأوروبي المبادرة العربية للسلام في الشرق الأوسط، وهي المبادرة «السعودية»، التي أقرتها جامعة الدول العربية، وحظيَت بدعم من المجتمع الدولي بما في ذلك الاتحاد الأوروبي.
على المستوى الثنائي، فإن المملكة تربطها علاقات قوية مع كل دولة على حدة من دول الاتحاد الأوروبي الثماني والعشرين. إلى ذلك، فإن المفوضية الأوروبية، والممثل الأعلى أو الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي لشئون السياسة الخارجية والأمنية على اتصال دائم، ومن خلال الزيارات الرسمية والوفود واللقاءات المستمرة، بكبار المسؤولين في المملكة، كما يقوم كبار المسؤولين السعوديين بزيارة بروكسل، العاصمة الهامة، التي كلفت الدولة، معالي الدكتور خالد بن إبراهيم الجندان -وفقه الله-، أحد قيادات الوطن المتمرسة مهنياً في السياسة الخارجية السعودية -وهو الذي عمل في ديوان الوزارة، جنباً إلى جنب الراحل الأمير سعود الفيصل -تغمده الله بواسع رحمته-، ولمدة تقرب من الثلاثين عاماً-؛ كلفته الدولة في إدارة دفة سياستها الخارجية في الاتحاد الأوروبي، المنطقة الهامة جداً للعلاقات السعودية الأوروبية.
وتتم أغلب العلاقات بين المملكة والاتحاد الأوروبي في إطار التعاون الإقليمي لدول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي، بحيث تجمع المملكة والاتحاد علاقات متميزة في إطار اتفاقية التعاون بين المفوضية الأوروبية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية في عام 1989، والتي يقوم بموجبها كل من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون بالاجتماع مرة واحدة في السنة، في اجتماع وزاري مشترك. وكذلك تشارك المملكة في الاجتماع العربي الأوروبي، الذي ينعقد على المستوى الوزاري، مرة كل سنتين.
ولا بدّ من الإشارة في هذا المجال، إلى أن هناك عدداً كبيراً من كبريات الشركات في الاتحاد الأوروبي، من فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا، تحرص على الاستثمار في المملكة، وكثير منها يستثمر في مجالات مهمة، إن لم يكن في أهم المجالات في الاقتصاد السعودي، وخصوصاً في الصناعة النفطية وفي صناعة البتروكيماويات. وتعتبر المملكة العربية السعودية سوقاً مهمة لتصدير السلع الصناعية في الاتحاد الأوروبي، في مجالات مثل الدفاع والنقل والطب والصادرات الكيماوية، بينما تشكل المنتجات النفطية والمعدنية أغلب صادرات المملكة العربية السعودية للاتحاد الأوروبي.
وحيث يتّسم العهد الجديد في المملكة بالاتجاه إلى بناء قاعدة واسعة من التحالفات الدولية، وإقامة شراكات متعددة على أساس من «التنوع» مع القوى الدولية والإقليمية الداعمة لسياسات المملكة العربية السعودية على نحو خاص، فان الاتحاد الأوروبي يأتي في مقدمة عملية بناء التحالفات والشراكات السياسية والاقتصادية والعسكرية الجديدة، باعتباره أحد أقوى التكتلات الدولية والإقليمية في العالم، وباعتباره أحد القوى الاقتصادية والعسكرية العالمية، إذ يضم عدداً من الدول الأعضاء الأساسيين في مجلس الأمن، ومن أبرز اللاعبين في السياسة الدولية، إلى جانب قوتها الاقتصادية.
ومن المهم أن نشير هنا إلى أن العلاقات السعودية مع الدول الأوروبية الرائدة، وتحديداً بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ظلت منذ الحرب العالمية الثانية، «ثانوية» إذا ما قورنت بمشروع التكامل العسكري والأمني مع الولايات المتحدة. وقد رأت دول أوروبية عديدة، ومنها خاصة فرنسا وبريطانيا، ضرورة إقامة علاقات قوية مع المملكة، إدراكاً لموقع أوروبا كحليف قديم يعرف حقيقة أهمية السعودية وتاريخها وقيادتها أكثر من أطراف دولية عدة، فيما كانت المملكة تسعى إلى تنويع مصادر أسلحتها، وتبحث عن أسواق واسعة لعدد من سلعها الإستراتيجية، خاصة البتروكيماويات.
وحيث تسعى بريطانيا إلى تعزيز علاقاتها بشركائها التاريخيين، فضلاً عن سعيها في البحث عن شركاء تجاريين جدد، فقد أرسلت بريطانيا العديد من «الرسائل» على أكثر من صعيد، لتؤكّد اهتمامَها بتعزيز علاقاتها بالمملكة، وتقديرها لأهمية المملكة في حساباتها الإستراتيجية، وترجمت ذلك بزيارة رئيسة الوزراء البريطانية «تيريزا ماي» للرياض، كجزء من جولة خليجية، في أبريل 2017، والتي وصلت إليها قبل وصول الرئيس ترامب، أكدت خلالها حرصها على تعزيز العلاقات التجارية مع المملكة.
وفيما يتعلق بالعلاقات السعودية الفرنسية، فإنها شهدت خلال العقد الأخير خاصة تطوراً ملحوظاً، وشهدت نمواً متصاعداً في جانبها الاقتصادي، خاصة على مستوى التبادل التجاري، كما شهد التعاون العسكري، خصوصاً في مجال التسليح و»تنويع» مصادره، نمواً واضحاً. وقد تطابقت وجهتا نظر البلدين في العديد من القضايا والموضوعات الدولية والإقليمية، خاصة في الموقف من إيران، وحل الأزمة في سوريا. ويلتقي الجانبان حول مكافحة الإرهاب في العالم بشكل عام، وفي منطقة الشرق الأوسط على نحو خاص، وقد شهد التعاون بينهما في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب نمواً كبيراً خلال الأعوام الأخيرة، خاصة أنهما يأتيان في مقدمة الدول الأكثر تعرضاً للهجمات الإرهابية في العالم.
أما ألمانيا، فتتميز علاقات المملكة معها بتعاون اقتصادي وعسكري واسع النطاق،، وهناك فرص التدريب التي توفرها للشباب السعودي. وفي عام 2016، دعت المملكة ألمانيا لتكون ضيف الشرف في مهرجان الجنادرية «المهرجان الوطني للثقافة والتراث»، نظراً لاعتزاز المملكة بالعلاقات مع ألمانيا.
وعلى الرغم من التباين في وجهات نظر البلدين، إزاء عدد من الملفّات الإقليمية والدولية، إلا أن ألمانيا تظل إحدى الدول الفاعلة والمؤثّرة، سواء على مستوى منظومة الاتحاد الأوروبي، أو على المستوى الدولي. وتحرص المملكة -بشكل كبير-، على توطيد علاقتها بهذه الدولة الفاعلة والمؤثّرة في العلاقات الدولية، كما تحرص على إقامة علاقات يسودُها الود والاحترام والتعاون بين الشعبين وحكومتي البلدين.
هذا وقد وصف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في أواسط ديسمبر المنصرم، علاقات المملكة بالاتحاد الأوروبي بـ»التاريخية» وأن الاتحاد الأوروبي من أهم الشركاء الدوليين للمملكة مؤكداً رغبة المملكة في تعزيز الشراكة الثنائية بين الجانبين، ومتطلعاً إلى مشاركة فعالة للاتحاد في قمة 2020 لدول مجموعة العشرين في المملكة.
وبشكل عام، يمكن القولُ بأن الاتحاد الأوروبي يحتل مكاناً مهماً في العلاقات الدولية للمملكة، ويأتي تطوير علاقات المملكة بدول الاتحاد، سواء كان ذلك في إطارها الثنائي أو كمجموعة، كأحد أولويات السياسة الخارجية السعودية.