عبدالوهاب الفايز
في السنوات الطويلة الماضية عندما تلتقي الراحل الجميل لا تجد صعوبة في بداية الحديث؛ فالروح المتدفقة لأبي يوسف قد تأخذك إلى دعابة، أو إلى تجليات بطل رواية، أو فكرة من كتاب.. يأخذك مبحرًا في عالمه الجميل المتدفق.. والساعات تمضي كالدقائق.
هكذا تكون البدايات الأنيقة المريحة في حضرة الفيلسوف.
والآن تضع يدك على لوحة المفاتيح؛ لتكتب عن رحيله، وتجد أنك أمام مهمة صعبة مؤلمة وموجعة.
هل رحل نجيب الزامل؟ سيظل السؤال يتردد طويلاً، وسوف نظل نبحث عنه ونترقبه في إطلالة الصباح.. أو في اتصاله عندما يفتقدك ليطمئن عليك، أو حينما يدعوك للاحتفاء بالشباب.. سوف ننتظره، ونظل نتذكر ضحكاته، مداعباته، وتجليات ثقافته، وتجربته وعذاباته.
ولكن لا مفر من أن نقول: نعم رحل، وما بيدنا سوى أن نقول رحمه الله، وأعان الله كل من يعذبه (الفراغ الكبير) الذي سوف يتركه، ولكن العزاء والسلوى سنجدهما في موروثه الكبير من الإنتاج الفكري والثقافي والإنساني. لقد رحل وترك لنا أشياء كثيرة جميلة من روحه، من «سواليفه»، من رحلة المعاناة والصبر مع المرض.
في حوار صحفي سألوه: حينما تسمع بوفاة مفكر عربي كبير.. هل ينتابك الحزن أم يمر عليك الخبر مرور الكرام؟ فكان جوابه: أحزن، ويسليني أن فكره باقٍ. وهذه هي حالنا معك أيها النبيل.
في عالم نجيب الزامل.. الحياة رحلة يجب أن تكون ممتعة، ثرية بالتسامح، والتفكير الإيجابي، ومصاعبها وهمومها نواجهها بالاستمتاع بجمالياتها.
نزعة الإقبال الإيجابي إلى الحياة طوّرت لدى نجيب جوانب وجدانية إيمانية، عمّقها وأثراها بإقباله الدائم على فهم الحياة كرحلة إيمانية؛ وهذا جعله يقف كثيرًا عند (جمال الدين)؛ وبالتالي جمال الحياة؛ وهذا مصدر الجذب والأنس في شخصيته، الذي يجعل الأوقات معه رحلة في فلسفة الجمال.
لقد كان البحث العميق عن أوجه الحياة الجميلة دائمًا محور حديثه وتفاعلاته الاجتماعية ونشاطه الإنساني.
في شخصيته وجدتُ أربعة جوانب أساسية، تجدها لدى المتمتعين بالذكاء العاطفي والاجتماعي، الذين يرون الحياة بأوجهها المتعددة.
الجانب الأول لدى نجيب هو: (الهدف الواضح في الحياة). ظل هدفه أن يكون مصدرًا للخير المطلق، وفي سبيل هذا الهدف تحمَّل الكثير من المتاعب.. تطوع لأعمال الخير؛ فأصبح من رواد التطوع في المملكة. من أعمال الخير التي وجدها واستمتع بها تشجيع الناجحين المقبلين على الحياة من الشباب. أنشأ حسابًا في التويتر لأجل التعريف بالمتميزين من السعوديين والسعوديات، وظل يستخدم طاقته وثقافته وعلاقاته لأجل خدمة هذا الهدف السامي.
أيضًا، ثانيًا: ثمة جانب أصيل في سلوكه وتفاعلاته، هو اعتزازه الدائم بـ(الانتماء إلى شيء كبير). وهذا الكبير هو الوطن. هذا الأمر النبيل جعله أهم موضوع يتحاور به مع الشباب، واستخدم موهبته في الحوار والنقاش، وثقافته العالية لكي يشرح للشباب والمراهقين أهمية حب الوطن والانتماء إلى كل مكوناته ورموزه وموروثه الحضاري.
ونزعته للخير رايتها في حرصه على حماية الشباب من نزعات التطرف والإرهاب والتحرر والإلحاد. كان يستثمر وجوده الدائم معهم للحديث عن الثوابت الدينية والأخلاقية، وكان يحرص على أن يكرس فيهم الإقبال على فهم الآفاق الإنسانية العظيمة للدين عبر القصة واستعرض النماذج الإيجابية من حياة الناجحين الذين وجدوا في الدين المعتدل المتسامح مصدر سعادتهم، والدافع للعطاء والبذل، وتحقيق الهدف الأسمى: عمارة الأرض.
كذلك، ثالثًا: من الأشياء الجميلة في شخصيته (التسامي عن التوافه) في الحياة وضجيجها، وحرصه على الانتماء إلى الأشياء الكبيرة. لقد كان يجد في الثقافة والأدب شغفه وسلوته وملاذه.. يخطف ذاته بضعة أيام ليتفرغ للإبحار في عالم الأدب والفلسفة؛ وهذا ساعده لينمي المهارة الرابعة التي يتشارك فيها الإيجابيون، وهي الحرص على (رواية القصص) التي تحمل المضامين الجميلة والقيم والأخلاقيات، والقدرة على مواجهة المصاعب والتحديات، ويعيد روايتها لتكريس معانيها. وفي المرات العديدة، حينما نلتقي في أمسيات الشرقية، أو عندما نكون في مناسبة أو بين الأصدقاء، تسمع منه القصص التي يعيدها.. وكل مرة يتجلى في روايتها، وتكتشف شيئًا جديدًا.
ماذا تقول وتكتب عن تجربة إنسان كل صباح يتجلى فيها الجديد الجميل الإيجابي؟!
شكرًا لأشقائه الذين سوف يجمعون موروثه.. وكثيرون يسعدهم مشاركتهم.
عندما صدمني خبر رحيله فزعت لحال والدته التي ظلت تلاحقه دومًا اتصالاتها لتطمئن عليه، وهي التي أنزلته من الطائرة قبل الإقلاع عندما عرفت أن الثلوج قادمة للبلد الذي يقصده. قلب الأم لا يحتمل المخاطرة! الله يعينها، ويعين أم يوسف، ويعيننا جميعًا. والحمد لله على كل حال.