علي الخزيم
اصطفافهم يأخذ الألباب، حماسهم يأسر القلوب، مناوراتهم على صهوات الجياد تعلمك أن لا ترمش بعينك أو تغمضها؛ فاللحظات ثمينة، لا يحسن إهدارها بالانشغال بشيء آخر. فرسان من الأطفال كالورود من الجنسين مدفوعين بشغف الريادة، واقتناص التفوق بميدان الفروسية، تجاوزوا بدايات مراحل ركوب الخيل، والتدرب على التآلف معها ومؤانستها، ومعرفة مزاجها ومشاعرها وما يقلقها ويجفلها، وكأنه لم يبقَ إلا محاورتها والحديث معها:
لَو كانَ يَدري ما المُحاوَرَةُ اشتَكى
وَلَكانَ لَو عَلِمَ الكَلامَ مُكَلِّمي!
ففي أحد مرابط الخيل المرخصة بالرياض كانت المتعة حاضرة نهاية أسبوع مضى، وكنت بين المعجبين بمهارات نجل أحد الأقارب وهو يشارك بمسابقة لقفز الحواجز ضمن كوكبة من الصغار والفتيان والفتيات؛ إذ خُصص جانب من ميدان التنافس للعوائل ولممارسات هذه الهواية الأصيلة، غير أن مجموعة من الصغيرات، أعمارهن بحدود عشر سنوات، قد أبهجن وأبهرن الحضور بعروضهن قبيل بدء التنافس على مهارات قفز الحواجز، وتبعهن أطفال آخرون بالمناورات وعرض المهارات؛ وهو ما أضفى مزيدًا من التشويق على المناسبة التنافسية الترويحية، ويبرهن على وعي الأجيال الحاضرة بمضامين ومفهوم الفروسية كأبرز سمات ومهارات الأجداد، وهي محل تفاخرهم وتسجيل أمجادهم وأيامهم. وما كانت الخيل العربية الأصيلة إلا أعز ما يقتنيه العربي ويهتم به، ويعرف سلالته وصفاته، ويجيد التعامل معه، وكأنه بشر، يفقه ويعقل؛ فكرام الخيل محط أنظارهم، ومبلغ أمنياتهم، وهي ذخيرتهم عند التفاخر والتسابق واللزز (لزز الخيل تداحمها أثناء السباق).
مرابط الخيل والاصطبلات أخذت بالنمو والانتشار مع تزايد اهتمام الأجيال بهذه الرياضة العربية الأصيلة، ولما توفره من متعة وشموخ بطولي أثناء ركوب الخيل وسباقاتها ورياضاتها المختلفة، كالتحمل وقفز الحواجز. وفهمت من المختصين ممن تحدثت معهم بتلك المناسبة أن الإقبال ينمو من الجنسين، وأنهم يخصصون مدربات متمكنات لتدريب الفتيات والنساء عمومًا ممن يرغبن في هذه الرياضة الممتعة، وأن التدريب لا يقتصر على مهارات ركوب الجياد بل يشمل التعريف بكيفية التلطف معها، وطرق نظافتها، وتعليفها بما يناسبها، والتعرف على طباعها، وعلاقتها بالإنسان، ومشاعرها تجاه صاحبها، وما يجفلها أو يزعجها.. فهي تملك قوة بحاستَي النظر والسمع، كما وهبها الله ملكات وقدرات تمكِّنها من الإبداع حين تشعر بالطمأنينة، وتعرف قيمة وقدرات الفارس الذي يتعامل معها.
لفت نظري أن لا وجود ولا حضور للغوغائية والفوضويين من الشباب المستهتر؛ فكل من جاء للتنافس أو لمتعة المشاهدة فئات أرقى من أن تنزل لتلك المنحدرات الأخلاقية. وفي هنيهات من المشاهدة سرحت بفكري؛ فكان أمامي الفارس العربي (أبو نويرة التغلبي) الذي أرسله المهلهل بأثر جساس، وكان ما كان من أمرهم. وأداء فتى ذكرني بالفارس المقدام (أسد القسري)؛ فمع فتوحاته المجيدة، وتصديه للترك الناقمين على العرب آنذاك، قام بإنجاز عمراني حضاري مهم حين شيد المدينة العربية الإسلامية بخراسان، مدينة (بلخ). كما مر بخيالي سريعًا الفارسان الفذان ربيعة بن مكدم وعامر بن الطفيل.. وغيرهم. اقرؤوا تاريخهم أيها الفرسان الصغار؛ فكأنكم هناك!