حماد الثقفي
للبحر الأحمر دور كبير على الصعيدين السياسي والعسكري، إضافة إلى دوره الاقتصادي على مستوى العالم، إِذ يحظى بعروبة واضحة، تستفرّد بشواطئه وثرواته، ليس لأن 86 في المائة من صادرات النفط العربي في الخليج تمر عبره فحسب، وإنما لكون حركة التجارة بين قارات العالم، وكذلك أمريكا، تمر عبره أيضًا، حتى صارت مناطقهُ ساحة للتنافس والصراع، خاصة بعد شق قناة السويس التي اختصرت طريق التجارة العالمي، كالولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل، والدول الأوروبية، وكذلك إيران وتركيا الدولتان اللتان تحاولان استنساخ إستراتيجية إسرائيل في التغلغل والاقتراب المباشر وغير المباشر من مداخله وجزره وثرواته عبر شبكة علاقات سياسية اقتصادية عسكرية مع دول القارة الإفريقية، خاصة في جزئيها الجنوبي والشرقي.
وكون البحر الأحمر بمضائقه الحاكمة وجزره المسيطرة، من ضمن أولويات وأطماع دول تجارية تريد حماية مصالحها، لأن المُسيطر على أحد الشرايين الرئيسة للتجارة الدولية، حتمًا يستطيع أن يؤثر في السياسة الدولية اقتصاديًا وعسكريًا، كونه طريقًا بحريًا حيويًا اكتسب أهميته من موقعه الجغرافي المتميز في قلب العالم القديم، وجعله حلقة وصل بين الشرق والغرب،
إنها ثروة طبيعية لمسافة طولية 2350 كلم، بعرض يراوح بين 145 كلم و362 كلم يتفرع عند طرفه الشمالي إلى خليج السويس في الغرب وخليج العقبة في الشرق، بينهما سيناء، الأمر الذي جعل منها مكان جذب سياحي لإقامة عديد من المشروعات الاستثمارية العملاقة الجاري تنفيذها كنيوم وأمالا والبحر الأحمر، وهي مسعى لتنويع الاقتصاد، فبقاء هذه الجزر في أغلبها مهجورة يجعل منها عرضة للاحتلال، حتى ولو كانت عربية أو مملوكة للدول المطلة، ولكن لا يجب إهمالها وتركها هكذا.
فتعريف الأمن القومي بأنه «جميع الإجراءات التي تتخذها الدولة في حدود طاقتها للحفاظ على كيانها ومصالحها في الحاضر والمستقبل مع مراعاة المتغيرات الدولية». الأمر الذي أوجب على دول الكيان الانتقال إلى وضع أفضل يُلبي طموحات الدول واستقرارها في ظل مجموعة من التحديات هي من الخطورة بمكان، فلا يمكن للدول العربية منفردة مواجهتها، لأن الإمكانات الفردية مهما تعاظمت تبقى غير مكتملة، من هنا جاءت الحاجة المُلحة لأداء عربي جماعي مشترك.
وأهم ما يميز السعودية، رؤيتها القائمة على دراسات وبحوث سياسية دقيقة جعل لها ثقلاً عالميًا، بين الدول الكبرى وحققته بهدوء تام في أقل فترة زمنية ممكنة، فحرص ولي العهد الشاب على استغلال مكانة بلاده سيُمكنه من أداء دور ريادي للسعودية الشابة كعُمق وسند للأمتين العربية والإسلامية، ومفتاح محرك لتنويع اقتصاد المملكة لتحقيق استدامة تنموية دائمة من خلال الموقع الإستراتيجي، يُراهن ولي العهد عليه، وعلى شباب أُمته الطموح، معتزّين بهويتهم الوطنية وفخورين بإرثهم الثقافي العريق، في بيئة إيجابية وجاذبة، بها كنوز من جودة الحياة للمواطنين والمُقيمين وبما يسهم في استقطاب أفضل الكفاءات العالميّة والاستثمارات النوعيّة.
وأخيرًا: السياسة ليست فن الممكن فقط، بل هي قدرة تحتويها رؤية واقعية باستشراف المُستقبل، والعمل على تغيير قواعد اللُعبة والإمساك بزمامها وفقًا للأصول الدولية. فخريطة التحالفات العالمية تتغير، وأقطاب القوى تتشكل، في ظل مخاطر تتزايد وفُرص تُتاح، والأذكى هو القادر على فهمها، مع المبادرة الفاعلة، لصُنع التغيير وإحداث الفرق، هكذا بادر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بالاتفاق مع الدول الشاطئية الثمانية على «إنشاء كيان «أرسقا»، ليُصبح نصرًا ضمن سلسلة السياسة السعودية، مقره الرياض.