خالد بن حمد المالك
أنْ تكره أمريكا ورئيسها فهذا رأيك وحقك، وربما كان لموقفك أسبابه ومبرراته، وأن تعاديها، سواء على حق أو على باطل، فهذا شأنك، وحدود فهمك، لكن لا يمكن لعاقل أن يرى في موقف الولايات المتحدة ورئيسها ترامب من سياسة نظام إيران، ما يستدعي لأخذ موقف معارض أو معادٍ لها، فالسياسة الأمريكية في تعاملها مع إيران تقوم على منعها من امتلاك النووي حمايةً للدول والشعوب من حماقاتها، وتهورها، باستخدام الجهلة في إيران لهذا السلاح المدمِّر والفتاك لإلحاق الضرر بالآخرين.
* *
وسياسة أمريكا في عقوباتها ضد إيران، برَّرتها بأنَّ إيران تواصل الإرهاب بنفسها، وتموِّل وكلاءها وعملاءها لممارسته أيضاً، وهو أيضاً موقف واضح لواشنطون ضد قمع النظام الإيراني لشعبه، وضد تدخل نظام الفقيه في شؤون الدول الأخرى، وتحديداً في مناطق الصراع في العراق ولبنان وسوريا واليمن وغيرها، فلماذا لا نؤيد أمريكا في مواقفها هذه، لكي تعود إيران دولة تحترم المواثيق الدولية، ولا تكون قنبلة موقوتة يمكن انفجارها في أي وقت.
* *
نعم نحن ضد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في مواقفها من إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، ودعمها الأعمى لإسرائيل، وهو موقف ثابت لا ينبغي أن يُساوم عليه، لكن العلاقة مع أمريكا ليست (يا أبيض يا أسود)، وإنما نتعاون معها بما يلبي مصالحنا، ونعارضها بما لا مصلحة لنا فيه، أو حين يكون موقفها مُضِرَّاً بنا، والسياسة مصالح، وتتغير تبعاً لما يستجد من مواقف، وهكذا هي التحالفات بين الدول، أمريكا وغير أمريكا.
* *
وإقدام أمريكا على قتل المجرم قاسم سليماني أيدناه بلا تحفظ، ونحن إلى جانب أمريكا في ذلك، وتدخل إيران في قمع الشعب السوري في ثورته ضد نظام بشار الأسد الدموي عارضناه بكل وضوح، ودعم إيران للحوثيين في اليمن كان موقفنا منه مُعلناً، وقد تمثَّل في التنديد والإنكار، وهكذا هو موقفنا المعارض ذاته من دور نظام الملالي المشبوه في دعم حزب الله في لبنان، وأحزاب أخرى في العراق، ولم نفكر أبداً في إخفاء هذه المواقف المضادة للسياسة الإيرانية المدمرِّة للاستقرار في المنطقة.
* *
ومثل ذلك فنحن مع الموقف الأمريكي ضد مهاجمة وكلاء إيران من العراقيين للسفارة الأمريكية في العراق، وضد تفجير طهران للطائرة المدنية العائدة ملكيتها لأوكرانيا، حيث قُتل فيها أكثر من 180 مدنيًا بريئًا بجريمة نفذتها إيران، وضد قتل واختطاف وإصابة المواطنين الإيرانيين في ثورتهم السلمية ضد النظام الإيراني البائس، ونعارض بشدة دعم النظام الإيراني لسياسة القتل والاختطاف الممنهجة لمَن يتظاهرون في العراق سلمياً، فلا يجدون أمامهم غير إطلاق الرصاص والاختطاف بإملاءات إيرانية لوكلائها هناك.
* *
أمريكا لها سياساتها، ولها مصالحها في العالم، ولنا سياساتنا ومصالحنا، نتفق مع أمريكا في بعض سياساتها ونختلف معها في شيء كثير من سياساتها، وِفْقاً بما يلبي مصالحنا، وهي مواقف مُعلَنة وواضحة، ولا نغطي عليها، ومثل ذلك سياساتنا مع جميع الدول الأخرى المحِبَّة للسلام، الراغبة في التعاون، وبيننا وبينها علاقات ومصالح مشتركة، فلا نزايد على ما يبعدنا عن الواقع، ولا نقول بما لا يلامس الحقائق.
* *
إذا أرادتْ إيران أن تكون دولة، ورغبتْ أن تلتزم باحترام جيرانها والدول الأخرى، فنحن معها بالتأييد، والأيدي ممدودة لها، والطريق أمامها مفروش بالورود، وإذا أرادتْ أن تكون غير ذلك فموقفنا سيبقى معارضاً لها، ولن تجد غير الشوك يدميها ويدمي كل مَن يتبنى برامجها وأهدافها وخططها التآمرية، وعليها أن تختار، بين الخير والشر، والعاقل في نظام إيران من اتعظ من الأزمات والنكبات التي مرَّت بها البلاد منذ أربعين عاماً ولا تزال.