رجاء العتيبي
كانت الفنون اسمًا مرتبكًا ومربكًا في آنٍ واحد في حراكنا الثقافي، والارتباك هذا أو الإرباك لا يعني انتفاءها من المشهد الثقافي، كانت موجودة ولكن على استحياء كأقسام إدارية بميزانيات قليلة في وكالة الشؤون الثقافية بوزارة (الثقافة والإعلام) سابقًا، وكلجان في جمعيات الثقافة والفنون تعمل باجتهادات وحب وشغف، وكفرقة موسيقية في إذاعة الرياض انتهت (تفككت أو فُككت) وتحول القسم الموسيقي إلى قسم إداري.
أما في التعليم فالفنون غير موجودة كمقررات ومعامل وورش، سوى أنشطة تربوية يتقدمها المسرح بمساحة أكبر، في حين (الفن التشكيلي) يأتي كتحصيل حاصل، أما الموسيقى والرقص والغناء والتراث والسينما والتصوير والكاريكاتير والفنون الشعبية والنحت والتصميم والخط... فلا تكاد تسمع عنها في بيئة التعليم إلا ضمن أنشطة لا تروي الظمأ.
في جامعة الملك سعود/ كلية الآداب/ قسم الإعلام أدرجت شعبة (الفنون المسرحية) استمرت سنوات ثم ألغيت بحجج شتى, وبقي الطلاب المتخرجون بلا عمل ولا تصنيف وظيفيًا في (ديوان الخدمة المدنية).
الأغنية اتخذت مسارًا مستقلاً، فلم تكن يومًا ما (قسمًا إداريًا) في جهة حكومية، لذلك بنت لها مجدًا بعيدًا عن الصراعات (البينيّة) وصنعت لها بيئة استثمارية جعلها متجددة باستمرار تنتج مواهب باستمرار متطورة باستمرار لم يصبها الوهن ولا الضعف حتى هذه اللحظة, وباتت واجهة حضارية للوطن وقوة تنافسية عندما يطرح الوطن العربي إنتاجه الغنائي.
الفنون رغم أنشطتها هنا أو هناك بصيغها المحدودة ظلت بيئة معطلة اقتصاديًا لسنوات طويلة، فقدنا بسبب هذا التعطيل ثروات بشرية ومالية لو كانت في وضع أفضل لكانت اليوم رافدًا للاقتصاد الوطني، ومنتجًا للمواهب.
ذلك زمن مضى لا فن يلامس طموحاتنا ولا استثمار يدر دخلاً سوى الأغنية التي غردت خارج السرب، واليوم يولد زمن جديد تقوده وزارة الثقافة بثقة ووعي وقناعة، يعيد للفنون حقها الغائب أو المغيب ويبشر بميلاد قطاع فني وثقافي معترف به ومدعوم ويمثل إستراتيجية دولة, سيكون له شأن على مستوى الإنتاج وعلى مستوى الاستثمار.
ماذا لو كان للمسرح ما كان للأغنية؟ من استقلال واستثمار، وأقول المسرح باعتباره محل اهتمامي طوال السنوات الماضية سواء في التعليم كمشرف نشاط مسرحي، أو في جمعيات الثقافة والفنون كمدير لها، أو كمخرج مسرحي؟ كان هذا السؤال بلا إجابة زمااان.
أما اليوم فالإجابة حاضرة بمبادرات وزارة الثقافة التي أطلقتها مؤخرًا, بيئة المسرح والفنون بدأت تتشكل على شكل قرارات ومبادرات وهيئات, يمكن لنا اليوم أن ننطلق وتنطلق الأجيال القادمة معنا بكل ثقة وحب وسلام.
كعمل إستراتيجي علينا أن نقارن بين الوضع الراهن للفنون والوضع المأمول، من خلال دراسات ميدانية معمقة حتى يكون (التصحيح) في محله، لا مجال للخطأ ولا للاجتهادات ولا للاعتبارات الشخصية. العمل الذي تقوده وزارة الثقافة يدفع نحو هذا الاتجاه، نحو مدن سعودية قابلة للعيش وأنماط حياة مليئة بالثقافة والفنون والترفيه وبنهاية 2020م تكون وزارة الثقافة قد حققت نسبة عالية من جودة الحياة الهدف الأكبر.