عنوان الكتاب الرحلات العربية مصدر من مصادر تاريخ المملكة العربية السعودية في الفترة (1338-1378هـ/ 1920-1953م)، من تأليف الجوهرة عبدالرحمن المنيع، مطبعة الملك فهد الوطنية، الرياض، 1431هـ (2010م)، ويقع في 397ورقة من المقاس المتوسط، ويحتوي على مقدمة، وخاتمة، وقائمة بالمحتويات، وقائمة بالمصادر والمراجع.
بينت الباحثة في مقدمة الكتاب أن شبه الجزيرة العربية ما زالت مهوى أفئدة المسلمين، وخلال عهد الملك عبد العزيز لم يكتفِ الرحالة العرب بوصف رحلة الحج فقط؛ بل تجولوا في أنحاء المملكة مشيدين بالأمن والأمان الحادثين في تلك الفترة. كما وضَّحت أن موضوع الرحلات العربية كمصدر من مصادر تاريخ المملكة العربية السعودية، لم يتناوله أحد بالدراسة بالرغم من أهميته، وما عدا ذلك كان مجرد مقالات أو دراسات علمية تناولت الجانب الفكري للرحلة، ولذلك فمازال موضوع الرحلة بحاجة إلى دراسة شاملة تتضمن رصدا لهذه الرحلات.
وضحت الباحثة أن الدراسة تهدف إلى رصد كثير من الرحلات العربية المدونة في المملكة العربية السعودية، ثم استخلاص المعلومات المتعلقة بالنواحي السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والحضارية، مع مقارنتها بما جاء مع غيرها من المصادر. كما وضَّحت الباحثة المشاق التي واجهتها في البحث عن مكامن المادة العلمية، ومن ذلك ندرة الوثائق الخاصة بمؤلفات الرحلات العربية بشكل مباشر، ثم ذكرت أهم المصادر التي استقت منها مادتها العلمية هي كتاب: شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز لخير الدين الزركلي، وكتاب: البلاد العربية السعودية لفؤاد حمزة، وكتاب: جزيرة العرب في القرن العشرين، وخمسون عاماً في جزيرة العرب لحافظ وهبة.
استهدف الحديث في الفصل الأول موضوعات الرحلات العربية للملكة العربية السعودية، ومن أهمها: الرحلات القادمة من مصر، ولعل من أبرز الأسباب استتباب الأمن، وقد كان لزيارة الملك سعود لمصر عام 1345هـ (1926م) دور كبير، حيث دعا في زيارته المفكرين والكتاب والإعلاميين لزيارة البلاد السعودية، والاطلاع على شؤونها. وبعدها مباشرةً جاءت زيارة محمد شفيق مصطفى عام 1346هـ (1926م). كما كان لبلاد الشام نصيب وافر من الرحلات، ومن أهمها: رحلة محمد بهجت البيطار، الذي قصد نجد برسالة من محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار إلى الملك عبدالعزيز، وكذلك أمين الريحاني، وعلي الطنطاوي، ورحلة شكيب أرسلان. وتهدف هذه الرحلات إلى الحج، وزيارة المسجد النبوي، ولأهداف سياسية، وأهداف علمية.
في الفصل الثاني تكلمت الباحثة عن شخصية الملك عبد العزيز وسياسته من خلال الرحلات العربية، فذكرت أنه أتيح لعدد من الرحالة فرصة مقابلة الملك عبد العزيز، فكان وصفهم له عن مشاهدة شخصية، وكانت نظرتهم له نظرة تقدير واحترام وإكبار، وكان لقاء عدد من الرحالة مع الملك عبد العزيز في مواسم الحج من خلال المآدب السنوية التي كان يقيمها تكريماً لرؤساء وفود الحج وكبار الحجاج وأعيانهم. كما بيّنت كتب الرحلات كرم الملك عبد العزيز وعطائه لرعيته، الذي لم يقتصر على الفقراء، والمحتاجين، والمساكين، والأيتام؛ بل كان يشمل وفود القبائل أفراداً ورؤساء. كما بيّنت كتب الرحلات كثرة الوافدين إلى الرياض، والخيام المضروبة على مقربة من قصر الملك عبد العزيز، ويقدر عدد الوافدين يومياً على القصر بنحو ثلاثة آلاف شخص.
وصف الرحالة تواضع الملك عبد العزيز وبساطته، فقد كان يرتدي لباساً متواضعاً كأي فرد من رعيته، وتغطي رأسه الغترة الحمراء، ويرتدي العباءة الصوف البنية فوق جلباب أبيض، يرتدي نعلين مصنوعين من الجلد، فكان يستقبل ضيوفه هشاً بشاً مرحباً، ويقوم لكل وافد عليه، ويصافح يديهم واحداً بعد واحد. كما أنه لا يحب الألقاب، ولا المدح، والمبالغة في الإطراء والمدح، -أيضاً- اتسم أسلوب الملك عبد العزيز بعدم التكلف، وعادةً ما يتكلم بارتجال، كما امتاز بذكائه وحدة حافظته.
وضحت الباحثة أن مشروع توطين البادية لفت أنظار الرحالة، وأبدوا إعجابهم بهذا المشروع الذي نفذه الملك عبد العزيز في عام 1333هـ (1913م)، فطلب من كل قبيلة أن تستقر عند أقرب ماء، وساعد كل قبيلة ببناء مسجد، وأرسل لهم مرشدا من العلماء.
في الفصل الثالث تناولت الباحثة ما تكلم عنه الرحالة من نظام الإدارة الذي يستند على الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية السمحة، وسلطات الملك، واختيار ولي العهد، وبدايات مجلس الشورى، وعن النظام القضائي في السعودية، وبعد ذلك تكلمت الباحثة عن دور الرحالة في ذكر تنظيمات الحج في عهد الملك عبد العزيز.
وخلال هذه الرحلات نقل الرحالة ملاحظاتهم عن الملك عبد العزيز بما في ذلك صفاته الجسمانية، فهو طويل القامة، ضخم الجثة، عريض المنكبين، متناسق الأعضاء. أيضاً- نقل العقاد مشاهداته عن الملك عبد العزيز، وأنه أول ما يدهشك في منظره قوة النفس، والعقل، والحس على السواء، بالإضافة إلى الإصابات في جسده كثيرة نتيجة المعارك، ومنها شلل في أحد أصابعه نتيجة إصابته برصاصة.
في الفصل الرابع تناولت الباحثة الجوانب الاجتماعية من خلال الرحلات العربية، وناقشت أولاً فئات المجتمع، وانقسامه إلى حاضرة وبادية، ثم تناولت ملابس الرجال، وملابس النساء، ثم تناولت الطعام، ومن أهم الأطعمة: الأرز، والجريش، والحنيني، والإقط، والعريكة، أما أهم المشروبات فهي القهوة، ثم تكلمت عن العادات والتقاليد، كما تكلمت عن التعليم، وجهود الملك عبدالعزيز في إحداث نقلة نوعية في الجزيرة العربية من خلال التعليم.
تكلمت الباحثة في الفصل الخامس عن الجوانب الاقتصادية من خلال الرحلات العربية، وكان أول حديثها عن الزراعة، فقد كانت شؤون الزراعة حاضرةً في ذهن الملك عبدالعزيز، فهو يهتم بأخبار الأمطار في جميع نواحي البلاد، واهتمامه بالزراعة يشكل وعياً مبكراً، فقد كان يدرك أن الزراعة هي التي ترفع مستوى الشعب، وتسد حاجته، لذلك استقطب الملك عبدالعزيز البعثات لدراسة طبيعة البلاد، ومدى صلاحيتها للزراعة، ومحاولة استصلاحها، وكذلك الاستعانة بالمهندسين، وكذلك الآلات الزراعية، ثم تكلمت عن أهم المدن التي حرص الملك عبدالعزيز على استصلاحها للزراعة، مثل الخرج، والأحساء، والمدينة المنورة، والطائف.
تناولت المؤلفة ما كتبه الرحالة الرعي، ثم التجارة، ثم الصناعة، وحرص الملك عبدالعزيز على انتقالها من التقليدية إلى مرحلة التقدم والتطور. وتكلمت عن ظهور النفط، وإنه من الموضوعات المهمة، التي نالت اهتماماً بالغاً من الرحالة، مما دفع بعضهم إلى زيارة المنطقة الشرقية للاطلاع على آبار النفط ومنشآتها.
في الفصل السادس ناقشت الباحثة الجوانب الداخلية والجوانب الثقافية من خلال الرحلات، فتحدثت عن الأمن، والسياسة الأمنية، ومظاهر الأمن، ثم تكلمت عن الأحوال الثقافية، والمكتبات، والصحافة، والطباعة، والأدب.
أكدت الباحثة في الخاتمة أهمية كتب الرحلات العربية بوصفها مصدراً من أهم مصادر تاريخ المملكة العربية السعودية، وتعود مصدريتها لكونها معاصرة للحدث. واتضح من كتب الرحلات أن التطور التنموي في المملكة لم يكن يسير على وتيرة واحدة، حيث ميَّزَ الرحالة بينما يُقبِل التغيير في زمن قصير، وبين ما يحتاج إلى تطويره في زمن أطول. كما اتفق أغلب الرحالة أن الدور الذي قام به الملك عبد العزيز في سبيل توحيد البلاد، وتوفير حياة أفضل للسكان.
بذلت الباحثة د. الجوهرة المنيع جهداً علمياً واضحاً في هذا السفر التاريخي، الذي يعد مرجعاً مهماً جداً للباحثين في تاريخ المملكة العربية السعودية، ورغم الإسهاب والإطالة في بعض المواضيع إلا أن ذلك كان حرصاً من الباحثة على تغطية كافة جوانب البحث. كما أن الدقة والشمولية في كتابة المادة العلمية، والتوثيق العلمي كان من السمات الواضحة في هذا المؤلف. أقدم شكري وامتناني لـ د. الجوهرة على هذا الجهد العلمي الذي خدم المكتبة السعودية والباحثين في التاريخ السعودي. راجية أن يكون دافعاً للباحثين على سبر مثل هذه المواضيع الجديدة.
** **
د. مريم بنت خلف بن شديد العتيبي - جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز