عبدالعزيز السماري
كان السؤال عن فشل النهضة في العالم العربي، ولماذا تفشل في هذا الجزء من العالم كلما تقدمت خطوات إلى الأمام، وتنجح في بقية العالم، فمنذ مغادرة الاستعمار، ونحن نختار أبلغ الألفاظ لوصف كل عصر، من عنصر النهضة إلى عصر الاستقلال، كان آخرهم الربيع الذي تحول إلى جنهم وجحيم في بعض الدول..
التفكير في الأمر أحد أهم أسباب الكآبة بين الشباب، وبين أولئك الذين اختاروا البقاء، وتأملوا خيرًا في عدم التفكير في الهجرة أو عبور البحار من أجل فرصة للعيش، ومع ذلك قررت أن أخوض التجربة وأتساءل علميًا، هل يمكن توارث الجهل من جيل إلى آخر..
وهل الجينات العابرة من الوالدين إلى الأبناء تتأثر بتدني التعليم وازدياد ثقافة الجهل، وهو ما يجعل من الأبناء أقل قدرة على الإبداع، وحسب علمي لا توجد علاقة بين الجهل والعنف وبين الميراث الجيني، لكن شخصية الإنسان وسلوكه تتأثران بالمحيط والبيئة التي يعيشان فيها.
لكن ذلك لا ينهي الأمر، فالمفاجأة قد تحدث، ويكتشف العلم علاقة ما بين الجهل والطفرات الجينية المبكرة، فالجهالة وسط يتأثر من خلاله الإِنسان، وقد تكون لها علاقة بعبور جينات خاصة بالعنف وعدم التركيز، لكن المؤكد أن هناك حلولاً للخروج من هذا المعترك المتسمم بالجهل.
فقد نجحت دول في الخروج منه من خلال قطع العلاقة بين عصر الجهالة والحضارة، وذلك بالرفع الجماعي والمتوازن للتعليم في البلاد، وهو ما يعني خروج جيل منفصل ثقافيًا عن الآباء، وهو ما يعني حدوث التغيير الشامل في العقول.
من أسوأ ما سمعت هو تطبيق مقولة إن التعليم العالي ليس للجميع، ولعل هذه العبارة كانت الباب الخلفي لبقاء الجهالة عقودًا أخرى في منطقتنا، ولذلك يجب أن تكون الشهادة الجامعية الحد الأدني للتعليم، فالشاب ينهيها وهو في بدء العقد الثالث، وبعدها يستطيع العمل في أي قطاع يريده، وهو محصن ضد العنف والجهل..
هذا ما نجحت فيه كوريا الجنوبية وغيرها من دول نمور آسيا، فالتعليم الشامل أخرج الجهالة والعنف من المجتمع، وكانت النتيجة نجاح منقطعة النظير للتنمية، فالعنجهية والاضطراب السلوكي نتيجة غير مباشرة لتدني التعليم بين البعض.
خلاصة الأمر تنتقل المعرفة من جيل إلى جيل، فالمعرفة أو عملية التحصيل المستمر هي ما نسميه التعليم، أو حضارة الإِنسان، وعلى أساسها يتصرف من خلالها الأشخاص المتحضرون والمتعلمون، وأن يكون لديهم القدرة في أن يتخذوا قرارات مستنيرة، وتستند إلى الخبرة والمعرفة..
على الآباء في هذه المرحلة مسؤولية كبرى في إيصال أبنائهم وبناتهم إلى شاطئ الأمان من خلال إكمال مسيرة التعليم الجامعي، ومن ثم البدء في حياة عملية مسلحة بالمعرفة أو القدرة على التعلم في مجالها العملي، ولو حدث ذلك من دون انقطاع قد تخرج بلاد العرب من محيط الجهالة إلى الوعي الحقيقي مثل بقية العالم..