عمر إبراهيم الرشيد
ليس هناك أقوى من الأزمات والشدائد تعليمًا للإنسان، وصقلاً لنفسه وفكره وقدراته، إن هو أدرك المغزى والحكمة الربانية مما يمرُّ به، ومن ثم أخذ بفضيلة الصبر، ثم تحفيز تلك القدرات الكامنة التي لم يستغلها كما ينبغي، أو أنه أصلاً لم يدرك وجودها في نفسه. كان الأسبوع المنصرم أيام عزاء للأسرة بعد رحيل أخ لي عن هذه الدنيا إلى بارئه جل جلاله، توافد خلالها جموع المعزين عند الدفن وبعده، وانهالت الاتصالات. وغني عن الشرح كم تبعث تلك المشاعر والدعوات وشد الأزر بطيب الكلمات من طاقة نفسية ومعنوية، لم نكن لنحصل عليها في أوقاتنا المعتادة. أما على الصعيد الاجتماعي فتدرك مع توافد تلك الجموع ووقفات ودعوات الناس أن هذا ما يشد المجتمع، ويقوي التحامه بعد تسارع إيقاع الحياة اليومية، ووقوع الغالبية في دوامة مشاغل الحياة ومطالبها، مهما بدا لنا أن بعضها مجرد أداء واجب أو مجاملة اجتماعية؛ فما زلنا بخير -ولله الحمد- وما زال الترابط الاجتماعي يظهر في الأزمات والشدائد.
ومعروف أن الموظف الذي يتعامل مع الجمهور يتكون لديه مع مرور الزمن وكثرة التعامل مع أصناف متباينة من البشر قدرة على التعرف على أنماط الشخصيات وتنوعها. وهذه تحصل لمن يعيش مثل هذه الأيام، ويستقبل أمواجًا من البشر على اختلاف علاقاتهم وخلفياتهم وأنماطهم الشخصية.. يكوِّن علاقات جديدة، ويجدِّد علاقات قديمة، ويلتقي أناسًا فرَّقت بينه وبينهم السنون، ويشاهد أنماطًا متنوعة عديدة من العقول والشخصيات وطرق التعامل والتصرفات، لم يكن ليعاينها ويلتقي بها ويحصل له هذا التحفيز النفسي والإثراء الاجتماعي في فترة وجيزة في غير هذه الأيام. هي قراءة اجتماعية إن شئتم تسميتها لمن لا تعرفهم عن قرب.
ومن نافلة القول إن الأزمات، مثل أيام العزاء، تُظهر الود العفوي، والمحبة الصادقة، وتذيب جليد العلاقات، بل قد تصلح أخرى أفسدتها خلافات أو مطامع. هي الأزمات التي تكمن فيها الفرص، لمن أعطاه الله المعرفة لانتهازها لخير يرجوه له وللناس {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}.