سام الغُباري
أسماء وأشخاص، قلاع ووديان، حشد هائل من الصور الروائية دلقها «الغربي عمران» على صفحات روايته المفتوحة «حصن الزيدي» فأغرق بياض أوراقها بسرد مبهر مؤلم، هناك رأيت الذئاب تنهش، والضباع تُخشرم، وتعوي الكلاب، بينما بقي «الإنسان الزيدي» مستسلمًا للذُل، منحنيًا لفلاحة أرض سيده وشيخه، يسوق خراج عنائه إلى مدافن مُلّاكه وكان هو دونًا عن كائنات «الحصن» بلا أملاك حتى زُوجه وأبناءه، جُعِلوا مشاعًا لرغبة الشيخ البشع.
هناك غرس «الغربي» وجعًا من مشاهد - يبدو - أنها كانت جزءًا من ذاكرته الماضية، صورًا ملونة لواقع مخزٍ تداخلت فيها الأزمنة بين قديم أسود وحاضر أشد قتامة.
كُنت كلما هرولت خلف حروفه أجدني خائفًا، مرتعشًا ومُشفقًا على «الضحايا»، مُنكرًا أن يكون ذلك الظلم الطويل قد مر على أناس من الأسلاف، وأن أجد قسوة فيلكبير مُلتاعًا عن حقيقة جزء من تلك السردية الموجعة، فأجابني بما لا يشفي غليلي، ومرة تلو أخرى أترك روايته مفجوعًا، أقذفها بعيدًا بعينين زائغتين، وكف مرتعشة، ثم ما ألبث أحبو إليها عائدًا متعوذًا من شر الفسق القديم.
ومع كل صفحة أغضب، متسائلًا: لِمَ لا يقاتلون؟ وحين فعلوا، طاف بي حُلم الخلاص، غير أنه «الغربي» عاد ونكّس راية الخلاص، بدا يائسًا من كسر حلقة التزاوج المشيخي - الديني، ولما فر إلى عدن، ورغم البحر والحدود المفتوحة لم أستطع التقاط نفس واحد، كأنها أرض ملعونة، وبحر ميت!
دمّرني «الغربي عمران» في هذه الملحمة الصاخبة، التي إن كنت سأرفع سبابتي لاتهامها في شيء، ففي التركيز الزماني والمكاني على «المشيخة» كوظيفة اجتماعية ظالمة، شديدة الظلمة والبؤس، دون أن يطرق كاتبنا الكبير باب الأئمة بإصرار، تلك الإمامة التي أنتجت هذه المشيخات الحاقدة، حين غرست في كل قرية شيخًا يواليها وسحقت كل من رفض فكرتها العنصرية، وتحويل القبائل إلى جنود للسلب والقتل الرخيص.
في نهاية ما قرأت طاف سؤال مُغرق بمياه السيول التي جرفت الموتى شاخصًا بعينين ذاهلتين: إن لم يكونوا قد اكتسبوا معرفة منعتهم من رفض واقعهم، فأين فطرتهم في الحرية والكرامة؟، أشير بذلك إلى الذين عاشوا خدمًا مهانين في حصون أوهن من بيت العنكبوت..
وهو السؤال الذي يتكرر منذ قرون.. سؤال قد يجرفه سيل صنعاء، فيصعد بخارًا إلى الغيم الذي يمضي بعيدًا ليهطل مُزنًا على أناس حقيقيين يُقدِّرون معنى العيش برأس مرفوع، وعلى أرض غير ملعونة.