د.شريف بن محمد الأتربي
العهر في اللغة هو الفجور. والفجور وهو الجهر بالمعصية. وقد جاء العهر السياسي ليرافق المعنى اللغوي للمصطلحَين السابقَين؛ فالخروج عن المألوف، ومناقضة السلوك الصحيح السوي، سواء على المستوى الأخلاقي، أو على الصعيد السياسي، وبيع الأوطان.. وهذا ما نشهده اليوم.
ولقد اعتادت بعض الدول على هذا المنطق اللاأخلاقي في تعاملها مع جيرانها، أو مع الدول الأخرى. ولعل أقرب مثال لذلك ما يحدث حاليًا من كل من إيران وتركيا.. فهاتان الدولتان لديهما من العهر السياسي ما يُكتب فيه مجلدات؛ فإيران التي أصبحت جمهورية إسلامية في عام 1979، عندما أطاحت ثورة شعبية بنظام حكم الشاه محمد رضا بهلوي، وتولى رجال الدين مقاليد الحكم تحت قيادة خميني، الذي أصبح مرشدًا أعلى للثورة الإسلامية ورأس نظام الحكم في إيران.. منذ ذلك الحين وهي لا تتورع عن التحرش بالدول المجاورة لها، والظهور بمظهر المعتدَى عليه؛ فكان أولى ضحايا تحرشها وفجورها دولة العراق حين بدأت القيادة الإيرانية بحملة إعلامية واسعة وكبيرة من خلال وسائل الإعلام المختلفة للترويج لما يسمى بتصدير الثورة الإسلامية للأقطار المجاورة، خاصة العراق ودول الخليج، لزعزعة وإسقاط أنظمتها (التي كانت تصفهم القيادة الإيرانية بالأنظمة الكافرة والعميلة للغرب) لإقامة أنظمة موالية لها. كما رددت من خلال خطابها الإعلامي أن أي اتفاقية وقّعها الشاه لا تعبّر عن طموح الشعب الإيراني وتطلعاته تعتبر لاغية، وخصت بالذكر اتفاقية الجزائر الموقعة مع العراق. وقد بدأت إيران في تقليب شيعة العراق أولاً على حكم حزب البعث بقيادة صدام حسين مع بوادر «تصدير الثورة الإسلامية» إلى الشرق الأوسط، إضافة إلى عوامل أخرى في العلاقة بين العراق وإيران منذ كانت بلاد فارس تلعب دورًا كبيرًا في إشعال الشرارات الأولى لفتيل الحرب التي استمرت لمدة ثماني سنوات.
هذا إلى جانب الخلاف السابق بين دولة الإمارات وإيران منذ عام 1971 على ثلاث جزر، هي طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وهي الجزر الواقعة في مدخل مضيق هرمز وتحتلها إيران، وترفض أية تسوية لها أو اللجوء للمحكمة الدولية كما فعلت مصر في طابا. كل هذه المواقف الإيرانية إلى جانب استغلالها الغزو العراقي للكويت، وانشغال العالم كله بحل هذه القضية، في العمل على تقوية جيشها، وأيضًا الاتجاه إلى امتلاك أسلحة نووية، جعلت الدول الأوروبية تسارع إلى الارتماء في أحضان إيران ومحاولة إثنائها عن هذا التوجه، ولكن بطريقة الأم حين توبخ ولدها، وتقول له: «كخ عيب»، ولكن لا تفعل له شيئًا. ومنذ ذلك الوقت وإيران تواصل عهرها السياسي في جميع الدول العربية تقريبًا مستغلة في ذلك أتباعها المغيبين عقليًّا والمستغلين دينيًّا كما تفعل جماعة الإخوان المارقة في السيطرة على معتنقي فكرها الضال.. وأخيراً لا آخراً قيامها بقتل الجندي الأمريكي ومهاجمة السفارة الأمريكية والقواعد الأمريكية بالعراق، وما ترتب على ذلك من قيام أمريكا بقتل الإرهابي الأول بالعالم قاسم سليماني.
أما عن تركيا فحدِّث ولا حرج؛ فمنذ جاء أردوغان للحكم وهو يقود بنفسه كل مظاهر العهر لهذه الدولة التي عانت من الانقلابات العسكرية لفترات طويلة، وما إن بسط أردوغان نفوذه ونفوذ حزبه المنتمي لجماعة الإخوان الفاسقين حتى ظهر جليًّا مدى الحقد الدفين من قِبله هو وأتباعه نحو دول الخليج ومصر، فما من موقف حدث إلا وكان عهره السياسي واضحًا فيه، ولكنه كان أكثر وضوحًا في ثلاثة مواقف متتالية، بدأ أولها حين تحدى الشعب المصري كاملاً والشعوب العربية العقلانية، ثانيًا في وقوفه في صف المدعو مرسي مندوب الجماعة الفاسقة في حكم مصر، وظل - ولا يزال - يهاجم مصر ورئيسها في أي محفل وبلا سبب.
وكانت الطامة الكبرى في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي - رحمه الله - الذي تبنى أردوغان نفسه قضيته إعلاميًّا وقضائيًّا و... وكأنه من عائلته أو أحد أبناء تركيا، في الوقت ذاته الذي يقوم هو فيه بالتنكيل بالشعب التركي وفتح السجون والمعتقلات بل التصفية الجسدية لكل من يجرؤ على الاعتراض على سياسته القمعية والهمجية. وأخيرًا ما يجري حاليًا على أرض سوريا من الهجوم على الأكراد في عملية سماها نبع السلام، وهي نبع للدماء، استثمر أردوغان - أو كما يسميه بعض العرب قرد غان لكثرة تنقله في القضايا العربية التي ليس له دخل فيها - وهاجم بكل قواته شعب أعزل، بل أمعن فيهم القتل والتشويه مستثمرًا عهره السياسي الذي لا يدانيه عهر آخر تم تدخله في ليبيا، وأرسل الأسلحة والجنود والمرتزقة للتدخل في الصراع الدائر هناك.
إن العهر السياسي لدى هاتين الدولتين لن يتوقف أبدًا طالما أن هناك من يتربح منه، سواء من الدول الخمس الكبرى أو من الدول الأوروبية المستفيدة منها، ولكنه سيتوقف حتمًا حينما يوحد العرب صفوفهم لحماية أوطانهم من هذه الأطماع.