مها محمد الشريف
هناك مسرحية قديمة انتقلت من المؤلف إلى العالم ولم يكن عيب عصرها أنه ترك أثراً بليغاً في موضوعاتها، ولم يكن شكسبير فيلسوفًا حاذقًا لو كان موجودًا في عصر التقنيات الهائلة وإنما لكانت مهمته دائمًا هي كتابة التمثيليات وتوزيع الأدوار بين طهران وواشنطن، على الرغم من تزكيته من الكتاب والنقاد في جميع العصور بأن شكسبير كان «فيلسوفًا جيدًا وشاعرًا عظيمًا في آنٍ واحد». ولعلَّ واجبنا خاصة بعد وفاته بأربع مئة سنة أن نستبصر في الطرق التي نقل فيها المؤلف الفريد والعبقري منظوره الفلسفي باستمرار.
لا غرابة في أن الإسراف في التصورات السياسية والقضايا والاتجاهات المعاصرة شر عظيم، وفي تفاصيلها شرور أعظم، بداية من تقديم المصالح إلى قلب الحقائق رأساً على عقب، فقد جعلوا من كل شيء عكسه حتى تساوى مع الترهات التي لها نتائج سخيفة، فإذا كانت السياسة تضر بالخصال القتالية فهي تضر بالخصال الأخلاقية، فنحن لم نعد نسأل ما إذا كان الإنسان نزيهاً، بل نسأل عماّ إذا كان مخدوعاً.
إننا ما نزال في دهشة من الآثار الهائلة التي تبعت فصول المسرحية بعد مقتل سليماني ورفاقه ورد اعتبار إيران أمام شعبها وأذرعها والعالم بهجمات تستغل العقلية الاستهلاكية بأنها الأقوى وهي أضعف ما تكون تجيد الصراخ والعويل، فأين الانتصار المزعوم؟. بل أين الحقيقة؟، ولماذا أخبروهم بالعملية الصاروخية التي ستدمر القاعدة الأمريكية عين الأسد، وفي الوقت ذاته، اعتلي مسؤول أمريكي المنبر وقال إن «القوات الأمريكية تتعرض لهجمات إيرانية باستخدام صواريخ بالستية وصواريخ بعيدة المدى» في قاعدة عين الأسد.
لو أن الفاعلين مجهولون لسخرنا منهم، ولكن هناك رغبة جامحة بقتل المزيد من المدنيين العراقيين، ولنفس السبب تتطور صناعة الأحداث لبناء العالم من جديد على خطى الإرهابيين، ربما يكون الدافع اقتصاديًا يثري مالية الدول ويعوض خسائرها من جراء الحروب، حيث ذكّر تقرير لصحيفة «يو إس إيه توداي» الأمريكية بأن تكلفة أي حرب جديدة محتملة بين الطرفين ستكون باهظة للغاية، ورصد تصنيف الصحيفة لأعلى الحروب التي دخلتها الولايات المتحدة كلفة، ارتفاعًا مطردًا في الأموال التي أنفقتها واشنطن خلال نزاعاتها العسكرية خلال ما يقترب من 100 عام.
فهل تكون الحسابات إذن تدور حول العراق وثروته النفطية مقابل عقوبات إيران المفروضة منذ عام 1979 على الرغم من قطع أمريكا علاقتها مع إيران، ومع ذلك وضعت عليها عقوبات شكلية. بينما في واقع الأمر سمحت لهذا النظام أن يقوي ويتمدد ويتوسع بالمنطقة وبالتحديد بعد عام 2003، في العام الذي ضربت أمريكا العراق عدو إيران وسمحت لهذا النظام بنفوذ كبير فيه وكذلك الحال مع لبنان وسوريا واليمن، وقد كان البرنامج النووي الإيراني أمام اعينهم وملء مسامعهم تركوه وفجأة يطلبون تفكيكه، ولم تكترث واشنطن حينها لوجود بن لادن على أرضها.
ومهما كان الأمر، فإن ما عُرض من مسرحيات عن القاعدة وأسامة بن لادن الذي عاش في إيران والحرب الإعلامية بين واشنطن وطهران، لا يستطيع تصديقها أحد، والتاريخ اليوم يجدد الأحداث بعدما ذكّر تقرير لصحيفة «يو إس إيه توداي» الأميركية بأن تكلفة أي حرب جديدة محتملة بين الطرفين ستكون باهظة للغاية.
يقول أنطونيو في رواية تاجر البندقية: «إنما آخذ الدنيا كما ينبغي أن تؤخذ الدنيا باعتبارها مسرحًا يلعب عليه كل إنسان دوره». وبالرغم من أنه مشهد الشغف والحاجة وضحت جهود شكسبير في تصوير محور «الأحلام ضد الواقع» المتجسد في مسرحياته، مثل: مسرحية العاصفة، التي تعرض الأسباب التي تقف خلف كل هذه التجاوزات، وهذه أخطر النتائج المترتبة عليها إلى حدٍ ما من أن السياسة عبارة عن منظومة من الأكاذيب.