بدأتُ الكتابة في مراحل مبكرة من العمر حين استهواني نظم الكلمات في ترابط معبر عن معان يعجز اللسان في كثير من الأحيان عن نطقها ويحل محله حبر الأقلام.
كانت البدايات صعبة ومرة فكيف لفتى في سن الطفولة أن يكتب وأن يكون لقلمه صدى مؤثر خاصة في وقت كان فطاحل الكُتّاب هم المسيطرون على كافة وسائل الإعلام ولكني لم أكن أطمح في أكثر من أن يكون قرائي هم أصدقائي والمقربين مني وقد تخيلت في هذه المرحلة أن كتابتي تضارعهم، بل ربما تفوقهم وكان ذلك ضرباً من الخيال، بل هو أقرب إلى الجنون.
أحببت الكتابة ولم أكن أُميز بين بحورها وأنواعها فلم أفرق بين النثر أو الشعر أو حتى سرد الأفكار، ورغم ذلك واصلت الكتابة ولم أترك ورقة بيضاء إلا وقد خططت فيها بقلمي وروحي كلمات ربما استنكرها البعض وقلّل من قيمتها وربما لامست بعض معانيها مشاعر قارئ لها فأثرت فيه وكلهما لم يفصح إلا ما ندر عن شعوره تجاه هذه الكلمات ولكني كنت استشرف هذه الأحاسيس من خلال الأحاديث التي ربما تدور بيننا بعد ذلك.
كانت بدياتي مع نشر أول كلمات لي في جريدة الجزيرة في السابع من شهر نوفمبر عام 2009 وكانت تعبر عن فرحة أهل الرياض بعودة سمو ولي العهد آنذاك الأمير سلطان بن عبد العزيز -رحمه الله- وكان بصحبته خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- وكان أميرًا للرياض في ذاك الوقت.
وانتقلت إلى المرحلة الثانية وكان المقال الثاني عن تولي سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- منصب مستشار خاص لسمو أمير الرياض، وعرضت المقال على أحد الزملاء وهو من جهابزة اللغة العربية ومفوهيها وكاتب للشعر والنثر متمكنا من كافة أدوات اللغة، وانتظرت حتى أعاد إلى مقالي فإذا بهذا المقال قد اصطبغت كلماته بالمداد الأحمر كأنه مساق لحجرة الإعدام من كثرة ما بدل وغيّر فعدتُ إليه ممتعضاً لما وجدته ودار بيننا حوار ملخصه أني أكتب بروحي أنا وأحاسيسي أنا وهي مختلفة كل الاختلاف عنه ولا يمكن أن نعبر نحن الاثنان عن نفس الموضوع بنفس المشاعر والأحاسيس وكل ما رجوته منك هو تصويب الأخطاء النحوية وبناء الجمل حتى تكون صالحة للنشر، فما كان من الرجل إلا الاستجابة وإعادة المقال إلى ما كان عليه مع بعض الرتوش اللغوية.
بدأت أفكر في نشر بعض ما طبعته أحاسيسي على الأوراق وتواصلت مع العديد من دور النشر ولكن للأسف كانت الردود دائماً بالاعتذار فلم أعرف هل هي التكلفة العائق أم أن الكلمات نفسها لم ترق لقارئها. وواصلت كتاباتي حتى مرحلة متقدمة من العمر حين بدأت أفكر في نشر أول كتاب علمي لي وقد كان ولا تسألني عن هذا الأحساس حين زُفّ لي خبر طباعة النسخة الأولى منه، فقد انتابتني أحاسيس عديدة كإحساس أم العروس في ليلة زفافها ومدى فرحتها برؤيتها قرة عينيها تبدأ مرحلة حياة جديدة، وإحساس الابن الذي تاه في وسط البشر وظل يبحث عن أمه حتى أمسك بيديها ورغم الضرب الذي أشبعته أياه إلا أنه ألقى نفسه في حضنها مطمئناً أنها أحاسيس لا يقدّرها إلا من عاشها أو اقترب منها.
وتوالى النشر بعد ذلك ما بين مقالات تحتضنها صفحات جريدة الجزيرة الغراء وبعض الجرائد والمواقع العربية، ومجموعات قصصية وأدبية وكتب علمية وكان السؤال الذي دائماً ما يطرحه المقرّبون هو سؤال مادي بحت: كم تربح من الكتابة؟ وكان ردي دائماً: الكتابة حياة، بل الكتابة هي حياتي، ويوم أتوقف عن الكتابة لأي سبب ما فهو يوم أفقد فيه هذه الحياة.