د. حمزة السالم
جاءت النصوص بوجوب زكاة أنواع من الثمار والزروع حين نتاجها؛ لعموم قوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده)، فليس فيها واجب موسع لحول، كالأنعام.
فتجب الزكاة في كل ما تنبت الأرض من الحبوب والثمار والأعشاب وغير ذلك. سواء كان مطعومًا أم لا، كالصمغ. وسواء كان قوتًا أم لم يكن قوتًا، وسواء أكان يكال أم لا، وسواء أكان مما يدخر أو لا يدخر. فقد جاء القرآن بهذا الإطلاق، وأكَّدت معناه السنّة. فقول الله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) يفسر الحديثُ العام الصريح الذي رواه البخاري، عن عبدالله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم قَال: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أو كَانَ عَثريًا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ»، فالحديث عام في كل نبات يخرج من الأرض.
فالحصاد هي العلة في كون الثمار والزروع مالاً زكويًا. والحصاد المقصود هنا بمعناه الشرعي الضيق: المقصور على ما تنبت الأرض. (كحصر الربا الشرعي في معناه الضيق، لا على كل زيادة).
فكل ما يُحصد مما تنبت الأرض فهو مال زكوي، تجب فيه الزكاة متى دخل عليه السبب، وهو النصاب، ووافق الشرط، وهو سقيا السماء أو الأنهار ونحوه. (ويلاحظ أن هذا شرط في النبات لا في العلة، فالعلة تُتنقض إذا أتى شرط على أصلها.
ولا صحة - والله أعلم- كونه مكيلاً، علة. فالكيل لا يصلح علة مطلقًا. فهو مضطرب غير منضبط، ويناقض غالب قواعد صحة العلة.
ومن جعل الزكاة في المكيلات فقط، فإنما عماده حديث النصاب. وهذا يلزم منه أنه لا زكاة في زرع اليوم (لعدم استخدام الكيل اليوم في أسواق الطعام كالقمح وغيره). وحديث النصاب هو ما رواه مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» فقالوا: دل على الكيل اعتبار التوسيق، وهو معيار من معايير الكيل.
وثم استشهدوا لعلتهم السابقة، بحكمة الادخار. فقالوا: لأن النعمة لا تكتمل إلا فيما يدخر، فنفعه باقٍ لمدة أطول. وهذا كله غير منضبط.
فالوسق وسيلة قياس مجردة لا خاصية له في ذاته، وهو معلوم الوزن. فاليوم الوزن هو الغالب، فيقابل مقدار الوسق، وهو تقريبًا 130.5 كيلو جرام.
فتجب في الطماطم الزكاة حين حصادها، كالقمح والشعير. وهذا هو اتباع منطوق النص ومضمونه.
والطماطم لا يُدخر ولا يصبر لأسبوع، إلا أن تُصنع. ولكن هذا لا يخرجه من عموم نص القرآن ونص السنّة. فليس في حديث النصاب شاهد على إخراجه.
وليس في عدم جباية الرسول صلى الله عليه وسلم لزكاة الخضراوات شاهد، فليس هناك نهي ولا أمر. فالاحتماليات كثيرة، وأهمها: قلتها، وعدم بلوغها النصاب، وزهد أهل المدينة فيها. والأغلب أنها كانت تنتج للاستهلاك الخاص ونحو ذلك، ولا تصل للنصاب المتمثل في خمسة أوسق أي نحو 130 كيلو جرامًا أو 60 صاعًا. فإنتاج خضراوات بهذا الحجم يحتاج مساحات كبيرة، وسقيا، فضلاً على أنها أطعمة غير أساسية في حياة الشعوب. فلذا؛ لم يكن لها إنتاج يصل كل بمفرده، النصاب.
فماذا سيكون القول، لو افترضنا أن الطماطم أو ما في حكمها، كانت أغلى وأنفس وأكثر منتج لبلد ما، وتتعلق به الأنفس وتتشوق إليه الأفئدة، كما تعلقت الأنصار بالتمر؟ أفيُترك صريح الوحي بالأمر بإخراج كل ما تنبت الأرض، ونتأول تأويلات لا تخلو من ضعف وقصور، كعدم نقل أخذ الرسول لزكاة الخضراوات؟ فكم وكم من تخريج ممكن واحتماليات كثيرة، إلا أنه لا محل لها هنا، فسبحان الله.